كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 71 """"""
فقالت لها : إن نبي الله شغل عني اليوم بالحكم بين الآدميين فلم أصل إليه . قالت لها : فإني لا أريد أن تتخلفي عنه نهاراً لمكان أخبار سليمان ، وإني أرى في البحر عجباً ، شيئاً مرتفعاً ما هو ؟ قالت العنقاء : هذه سفينة قوم سيارة ركبوا البحر . قالت : فما هذا الذي أرى ملقى على رأس هذه السفينة ؟ قالت : كأنه ميتة رموها . قالت : فاحمليها إلي لأستأنس بها وأنظر إليها . فانقضت العنقاء فاختطفت الفرس والغلام في بطنها فحملتها إلى عشها . فقالت : يا أماه ، ما أحسن هذا وضحكت ، ففرحت العنقاء بذلك وقالت : يا بنية ، لو علمت لقد كنت آتيك بمثل هذا منذ حين . ثم طارت العنقاء إلى نوبتها إلى سليمان ، وخرج الغلام من جوف الفرس فلاعبها ومسها ولامسها وافتضها فأحبلها ، وفرح كل واحد منهما بصاحبه واستأنس به .
وجاء الخبر إلى سليمان باجتماعهما من قبل الريح ، ووافت العنقاء ، وكان مجلس سليمان يومئذ مجلس الطير ؛ فدعا بعرفاء الطير وأمرهم ألا يدعوا طائراً إلا حشروه ، ففعلوا ؛ ثم أمر عرفاء الجن فحشروا الجن من ساكني البحار والجزائر والهواء والفلوات والأمصار ، ففعلوا وحشروهم ، وأحضروا الإنس وكل دابة ، واشتد الخوف وقالوا : نشهد بالله أن لنبي الله أمراً قد أهمه . فأول سهم خرج في تقديم الطير سهم الحدأة ، وكانت الطير لا تتقدم إلا بسهام ، فتقدمت الحدأة واستعدت على زوجها ، وكان قد جحدها ولدها ، فقالت : يا نبي الله ، إنه سفدني ، حتى احتضنت بيضي وأخرجت ولدي جحدني . فأمر سليمان بولدها فأتى به ، فوجد الشبه واحداً ، فألحقه بالذكر وقال لها : لا تمكنيه من السفاد أبداً حتى تشهدي على ذلك الطير لكيلا يجحدك بعدها أبداً . فإذا سفدها ذكرها صاحت وقالت : يا طيور سفدني اشهدي ، يا معشر الطير اشهدي . ثم خرج سهم العنقاء فتقدمت ، فقال لها سليمان : ما قولك في القدر ؟ قالت : يا نبي الله ، إن لي من القوة الاستطاعة ما أدفع الشر وآتي الخير . قال لها : وأين شرطك الذي بيني وبينك أنك تفرقين بقوتك واستطاعتك بين الجارية والغلام ؟ قالت : قد فعلت . قال سليمان : الله أكبر فأتيني بها الساعة والخلق شهود لأعلم تصديق

الصفحة 71