كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 76 """"""
على يديك . فعجب سليمان منه وقال : هل في البحر مثلك ؟ فقال : إني لفي زمرة من الحيتان فيها سبعون ألف زمرة ، كل زمرة مثل عدد الرمل ؛ وفي البحر حيتان لو دخلت أنا في جوف أحدها ما كنت إلا كخردلة في أرض فلاة . فبكى سليمان عند ذلك وقال : رب أقلني عثرتي . فأقاله الله تعالى ، ثم أوحى إليه : أن قف يا بن داود حتى ترى جنودي ، فإن ما رأيت قليل . فوقف وإذا بالبحر قد اضطرب اضطراباً عظيماً وخرج منه شيء أعظم من الجبل يشق البحر شقاً وهو يقول : سبحان من تكفل بأرزاق العباد ، ثم نادى : يا بن داود ، لولا اليد الباسطة عليك لكنت أضعف الخلائق ، وإنك لم تقدر أن تشبع حوتاً واحداً ولا نال كل طعمه ، فكيف تقدر أن تتكفل بأرزاق الخلائق . ثم مر ذلك الحوت ، فنظر سليمان إلى خلق عظيم ، وقال : إلهي ، هل خلقت خلقاً أكبر من هذا ؟ فأوحى الله تعالى إليه : إن في البحر من يحتاج أن يأكل سبعين ألفاً مثل هذا ولا يشبعه ، ولا يشبعه إلا نعمتي ولطفي . فعلم سليمان أن الذي أعطيه ليس بشيء في قدرة الله عز وجل . والله الواسع المتفضل .
ذكر خبر بناء بيت المقدس وابتداء أمره
قال أبو إسحاق الثعلبي رحمه الله في سبب بناء بيت المقدس : إن الله تعالى بارك في نسل إبراهيم - ع - حتى جعلهم في الكثرة غاية لا يحصون . فلما كان زمن داود - ع - لبث فيهم مدة مديدة بأرض فلسطين وهم يزدادون كل يوم كثرة ، فأعجب داود بكثرتهم فأراد أن يعلم عدد بني إسرائيل فأمر بعدهم ، وبعث لذلك عرفاء ونقباء ، وأمرهم أن يرفعوا إليه ما بلغ من عدتهم ، فكانوا يعدون زماناً من الدهر حتى عجزوا وأيسوا أن يحيط علمهم بعدد بني إسرائيل . فأوحى الله تعالى إلى داود : إني وعدت أباك إبراهيم يوم أمرته بذبح ابنه فصدقني وأتمر بأمري أن أبارك له في ذريته حتى يصيروا أكثر من عدد نجوم السماء ، حتى لا يحصيهم العادون . وإني قد أقسمت أن أبتليهم ببلية يقل منها عددهم ، ويذهب عنك إعجابك بكثرتهم . وخيره بين أن يبتليهم بالجوع والقحط ثلاث سنين ، وبين أن يسلط عليهم عدوهم ثلاثة أشهر ، وبين أن يسلط عليهم الطاعون ثلاثة أيام . فجمع داود بني إسرائيل وأخبرهم بما أوحى الله تعالى إليه وخيره فيه . فقالوا : أنت أعلم بما هو أيسر لنا ، وأنت نبينا