كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 77 """"""
فانظر لنا غير الجوع فلا صبر لنا عليه ، وتسليط العدو أمر فاضح . فإن كان ولا بد فالموت ، لأنه بيده لا بيد غيره . فأمرهم داود أن يتجهزوا للموت ، فاغتسلوا وتحنطوا ولبسوا الأكفان وبرزوا إلى صعيد بيت المقدس قبل بناء المسجد بالذراري والأهلين ، وأمرهم داود أن يضجوا إلى الله تعالى وأن يتضرعوا إليه لعله أن يرحمهم . فأرسل الله عليهم الطاعون فأهلك منهم في يوم وليلة ألوف كثيرة لا يدري عددهم ، ولم يفرغوا من دفنهم إلا بعد مدة شهرين . فلما أصبحوا في اليوم الثاني خر داود ساجداً يبتهل إلى الله تعالى ، فاستجاب الله تعالى منه وكشف عنهم الطاعون ورفع عنهم الموت . ورأى داود الملائكة سالين سيوفهم فأغمدوها وهم يرقون في سلم من ذهب من الصخرة إلى السماء . فقال داود لبني إسرائيل : إن الله قد من عليكم ورحمكم فجددوا له شكراً . قالوا : وكيف تأمرنا ؟ قال : أمركم أن تتخذوا من هذا الصعيد الذي يرحمكم الله فيه مسجداً لا يزال فيه منكم وممن بعدكم ذكر الله تعالى . فأخذ داود في بنائه . فلما أرادوا أن يبتدئوا البناء جاء رجل صالح فقير يختبرهم ليعلم كيف إخلاصهم في بنيانهم ، فقال لبني إسرائيل : إن لي فيه موضعاً أنا محتاج إليه ، فلا يحل لكم أن تحجبوني عن حقي . قالوا له : يا هذا ، ما من أحد من بني إسرائيل إلا وله في هذا الصعيد حق مثل حقك ، فلا تكن أبخل الناس ولا تضايقنا فيه . فقال : أنا أعرف حقي وأنتم لا تعرفون حقكم . قالوا له : إما أن ترضى وتطيب نفساً وإلا أخذناه كرهاً . قال لهم : أوتجدون ذلك في حكم الله تعالى وحكم داود ؟ قال : فرفعوا خبره إلى داود فقال : أرضوه . فقالوا : نعم نأخذه منه يا نبي الله بثمنه . قال : خذوه بمائة شاة . فقال الرجل : زدني يا نبي الله ؛ فقال : بمائة بقرة . قال : زدني يا نبي الله ؛ قال فبمائة بعير . قال : زدني يا نبي الله ، فإنما تشتريه لله تعالى . فقال داود : أما إذ قلت هذا فاحتكم أعطك . قال : تشتريه مني بحائط مثله زيتوناً ونخلاً وعنباً ؟ قال نعم . قال : أنت تشتريه لله تعالى فلا تبخل . قال : سل ما شئت أعطك ، وإن شئت أؤجرك نفسي . قال : أو تفعل ذلك يا نبي الله ؟ قال : نعم إذا شئت . قال : أنت أكرم على الله تعالى من ذلك ، ولكن تبنى

الصفحة 77