كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 78 """"""
حوله جداراً ثم تملؤه ذهباً وإن شئت ورقاً . قال داود : هو هين . فالتفت الرجل إلى بني إسرائيل وقال : هذا هو التائب والمخلص . ثم قال لداود : لأن يغفر الله تعالى لي ذنباً واحداً أحب إلي من كل ما وهبت لي ، ولكن كنت أختبركم . فأخذوا في بناء بيت المقدس ، وذلك فيما قيل لإحدى عشرة سنة مضت من خلافة داود . وكان داود ينقل لهم الحجارة على عاتقه ، وكذلك خيار بني إسرائيل حتى رفعوه قامة . فأوحى الله تعالى إليه : إن هذا بيت مقدس ، وأنت سفاك للدماء ، ولست بانيه ، ولكن ابن لك أملكه بعدك اسمه سليمان أسلمه من سفك الدماء وأقضي إتمامه على يديه ويكون له صيته وذكره .
قال : فصلوا فيه زماناً إلى أن توفى الله نبيه داود واستخلف سليمان وأمره بإتمام بناء بيت المقدس . فجمع سليمان الإنس والجن والشياطين وقسم عليهم الأعمال ، فخص كل طائفة منهم بعمل ، فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والمها الأبيض الصافي من معادنه ؛ وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفاح ، وجعلها اثنى عشر ربضاً ، وأنزل كل ربض منها سبطاً من الأسباط . فلما فرغ من المدينة ابتدأ في بناء المسجد ، فوجه الشياطين فرقاً ، فريقاً منهم يستخرجون الذهب والفضة من معادنها ، وفريقاً يغوصون في البحر ويستخرجون أنواع الدر ويقلعون الجواهر والحجارة من أماكنها ، وفريقاً يأتونه بالمسك والعنبر وسائر أنواع الطيب من أماكنها ؛ فأتى من ذلك بشيء لا يحصيه إلا الله تعالى . ثم أحضر الصناع وأمرهم بنحت تلك الحجارة وتنضيدها ألواحاً ، وإصلاح تلك الجواهر وتثقيبها ؛ فكانوا يعالجونها فتصوت صوتاً شديداً لصلابتها . فكره سليمان تلك الأصوات ، فدعا الجن فقال لهم : هل لكم حيلة في نحت هذه الجواهر من غير تصويت ؟ فقالوا : يا نبي الله ، ليس في الجن أكثر تجارب ولا أكثر علماً من صخر . فاستدعاه . وكان من أمره في حضوره إليه والتلطف في تحصيل حجر السامور ما نذكره - إن شاء الله تعالى - في أخبار صخر .