كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 82 """"""
تكلمت به قبل وصولي إليك ؟ قالت : يا نبي الله ، إني رأيتك في موكبك وعسكرك ، فناديت النمل أن يدخلوا مساكنهم لئلا يحطمهم جندك ، وأنا كمثل غيري من الملوك أريد الإصلاح لقومي . فقال لها : كم عددكم ؟ وما تأكلون وما تشربون ؟ قالت : يا نبي الله ، لو أمرت الجن والشياطين أن يحشورنا إليك لعجزوا ، وليس على وجه الأرض واد ولا جبل ولا غابة إلا وفي أكنافها مثل سلطانك كراديس من النمل . ولو تفرق كردوس واحد في الأرض لما وسعته ولقد خلقنا قبل أبيك آدم ، وإنا لنأكل رزق ربنا ونشكره . فأمرها أن تعرض النمل عليه . فنادتهم ، فمروا به زمرة بعد زمرة ، وسلموا عليه بلغاتهم وهو ينظر إليهم . فقالت ملكة النمل : يا نبي الله ، منا ما يأوي الجبال ، ومنا ما يأوي قرب المياه والأشجار والزرع ، وفي الهواء وهي الطيارة ، فإذا نبتت أجنحتها هلكت واختطفتها الطير . والنملة لا تموت حتى يخرج من ظهرها كراديس من النمل . وليس على ظهر الأرض أحرص من النملة ؛ وإنها لتجمع في صيفها ما يملأ بيتها وهي مع ذلك تظن أنها لا تشبع . وتسبيحها تسأل ربها أن يوسع الرزق على خلقه . قال الثعلبي قال الضحاك : اسم النملة التي كلمت سليمان طاحية وقيل حرمى . والله أعلم .
ذكر خبر البعوض وما قيل فيه
قال الكسائي : ولما نظر سليمان إلى كثرة النمل قال : إلهي هل خلقت أكثر من النمل ؟ فأوحى الله إليه : نعم وسترى ذلك . ثم أمر الله تعالى ملك البعوض أن يحشرها لسليمان ، فحشرها من شرق الأرض وغربها . فأقبلت كراديس البعوض كالسحاب يتبع بعضها بعضاً حتى وقف منهم كردوس على سليمان ، وأقبل ملكهم وقال : يا نبي الله ، مالك وللضعفاء من خلق ربك ألهيتهم عن التسبيح ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ . يا بن داود ، إنا في هذه الأرض قبل أبيك آدم بألفي عام ما عرضنا على آدمي غيرك ، نأكل من رزق ربنا ، ولا نفتر عن ذكره صباحاً ولا مساء . قال : أخبروني كم أنتم ؟ وأين مأواكم ؟ ومن أين ترزقون ؟ قال ملكهم : يا نبي الله ، تحت يدي سبعون سحابة ، كل سحابة تملأ المشرق والمغرب ، لكل زمرة موضع معلوم ، تأكل كل واحدة رزقها ، ولولا خوف المعاد لأكلنا ما في الدنيا . ثم سجدوا وانصرفوا . وكان سليمان إذا أراد أن يدرك قوماً بعث إليهم البعوض فيأكل جميع ما في مدينتهم .