كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 85 """"""
الرياح ، وان من السندس الأخضر ، أخضر البطن أحمر الظهر . أهداه الله تعالى إليه من الجنة ، لا يعلم طوله وعرضه إلا الله تعالى . وقيل : كان طوله ثلاثمائة وسبعين فرسخاً في عرض عشرة آلاف ذراع . وكان سليمان إذا ركبه جعل اللون الأخضر مما يلي الأرض ، فإذا رفع الناس رءوسهم إليه يرونه على لون السماء . وكان يجلس على كرسيه وعن يمينه ويساره القضاة والعلماء والأحبار من بني إسرائيل على كراسي معدة لهم ، وهو جالس في وسط البساط وزمام الريح بيده ، ويتغدى على مسيرة شهر ويتعشى على مسيرة شهر ؛ قال الله تعالى : " غدوها شهر ورواحها شهر " .
قال : وكان سليمان إذا ركب الرياح على بساط يرى كل شيء عليه من الجن والإنس والشياطين والهوام وغيرهم ، والطير تظله ، ولا يقف على مدينة إلا فتحها .
ذكر خبر صخر الجني
قال : وجمع سليمان - ع - عفاريت الجن والشياطين وأمرهم بإحضار صخر الجني ، فقالوا : يا نبي الله ، إن الله قد أعطاه قوة جماعة منا ؛ ويصعب علينا حمله إليك ، وما لنا إلا أمر واحد وهو أنه يأتي في كل شهر إلى عين في جزيرة فيشرب ماءها . والرأي أن ننزفه منها ونملأها خمراً ، فإذا جاء وشربه وسكر ذهبت قوته فنحمله ونأتيك به . ثم خرجوا ففعلوا ذلك ، واختفوا في تلك الجزيرة فجاء صخر ليشرب فاشتم رائحة الخمر وقال : أيتها الخمرة إنك لطيبة غير أنك تسلبين العقل وتجعلين الحليم جاهلاً ، وأمرك كله ندامة ، وانصرف ولم يشرب . ثم عاد في اليوم الثاني وقد أجهده العطش فقال : ما من قضاء يأتي من الله إلا كان مبرماً ، ثم نزل على العين فشرب حتى امتلأ ، ثم قام ليخرج فسقط ، فتبادرت العفاريت إليه ومعهم طابع خاتم سليمان ، فلما رآه ذلك ذل وخضع ، فحملوه حتى وقفوه بين يدي سليمان وهو يخرج من فيه لهب النيران ، ومن منخريه الدخان . فلما عاين الخاتم ضعفت قوته وخر ساجداً على وجهه ، ثم رفع رأسه وقال : يا نبي الله ، سيزول هذا الملك عنك ولا يبقى إلا ذكره . قال : صدقت . ثم قال له : يا نبي الله ، ما الذي أحوجك إلي وأنا بالبعد منك لا أختلط بالآدميين ؟ فقال له سليمان : إن الناس قد اشتكوا من وقع الحديد وصوته على الحجر . فقال : عليك بوكر العقاب وعشه

الصفحة 85