كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 86 """"""
وبيضه ، فليس شيء من الطيور أبصر منه ، فأتى به . فوضعه في البرية وغطاه بجام من القوارير شديد الصفاء فوضعه على عش العقاب . فجاء العقاب فلم يرعشه ، فطار في الهواء حتى نظر إلى عشه في تلك البرية ، فانقض عليه وضرب الجام برجله ليكسره فلم يقدر على ذلك ، فطار وتعلق في الهواء وغاب يومه وليلته ، ثم أقبل صبيحة اليوم الثاني وفي منقاره قطعة من حجر السامور ، فانقض على الجام بذلك الحجر فضربه به ، فانشق الجام نصفين ولن يسمع له صوت ، وأخذ العقاب عشه وبيضه وترك حجر السامور هناك ، فأخذه صخر وهو في صفاء المرآة وحر النار . فدعا سليمان بالعقاب وسأله عن حجر السامور من أين احتمله ، فأخبره أنه من جبل شامخ . فبعث سليمان الجن والشياطين فحملوا منه ما قدروا ، فكان يقطع به الأحجار والصخور والجزع من غير أن يسمع له وقع .
قال : ثم قال صخر : يا نبي الله ، أتحب أن أتخذ لك مدينة ؟ قال نعم ؛ فاتخذها . فعجب سليمان من ذلك ، وأمره أن يتخذ له مدينة دون تلك المدينة حتى يحملها معه على بساطه حيثما ذهب . فقال : يا نبي الله ، لك كلما أردت السفر مدينة على أي لون شئت . فبنى له مدينة في طول عسكره وعرضه ، وجعل لكل سبط من الأسباط قصراً في طول ألف ذراع وعرضه مثل ذلك ، وفي كل قصر بيوت وغرف ، ثم بنى بعد ذلك مجلساً من القوارير في طول ألف ذراع ، وعرضه مثل ذلك ، يجلس فيه العلماء والقضاة . وبنى لسليمان قصراً عجيباً في طول خمسة آلاف ذراع ، وعرضه مثلها ، وزخرفه بألوان القوارير ورصعه بأنواع الجواهر ، وجعل فيه جميع الصور والتماثيل وأتقن صنعته . وكان مما صنع صخر لسليمان الكرسي .
ذكر صفة كرسي سليمان عليه السلام وما انتهى إليه أمره
قالوا : وكان مما عمله صخر الجني لسليمان - ع - الكرسي ، وكان سليمان أمره باتخاذه ليجلس عليه للقضاء ، وأمره أن يعمله بديعاً مهولاً بحيث إنه إذا رآه مبطل أو شاهد زور ارتدع وتهيب .