كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 89 """"""
توارثها بعدهم جماعة من الملوك ليس هذا موضع ذكرهم ، حتى انتهى الملك إلى رجل فظ غليظ يقال له شراحي الحميري . وكان من عادته مع قومه أنه افترض على أهل مملكته في كل أسبوع أن يأتوه بجارية من بناتهم فيفتضها ثم يردها إلى أهلها . وكان ذو شرح وزيره وهو من أبناء ملوك حمير من ولد سبأ ، وكان لذي شرح ألف قصر وألف فرس عتيق وألف سيف يمان ، وكان يرجع إلى حسن وجمال وعقل ، وكان مولعاً بالصيد ، فكانت الجن تتصور له في صورة الظبي ، فإذا صادهم وهم بذبحهم كلموه وقالوا له : لا تعجل فإنا إنما جئنا لننظر إلى محاسن وجهك . وكانت الجن تؤذي أهل اليمن ، فأقسم ذو شرح أن يقتل ملك الجن ويتزوج بابنته . قال وكان اسم ملك الجن عمير ، وكان حسن الوجه ، وابنته عميرة . فمر ذو شرح ذات يوم في واد من بلاد اليمن كثير الأشجار فنزل به ، حتى جنه الليل ، وكان في جمع قليل من أصحابه ، وكان الوادي الذي نزل به من مساكن الجن . فلما مضى بعض الليل سمع همهمة الجن ، فقام ونادى : يا معشر الجن ، قد نزلت بكم الليلة على أن تضيفوني فإني جار لكم ، فأسمعوني من أشعاركم . قال : فأنشدته الجن من أشعارها ، وجاءته عميرة بنت عمير ملك الجن على أحسن صورة . فلما نظر إليها ذهل عقله من حسنها ، وغابت عن عينه فشغف بحبها فقال : يا معشر الجن ، إن أنتم زوجتموها مني وإلا كنت حرباً لكم ما عشت أبداً . فنادوه : يا ذا شرح ، إنك آدمي فكيف تقاتل الجن ومسكنهم الهواء وظلمات الأرض مهلاً أيها الآدمي لا تعرض نفسك إلى ما لا تقدر عليه وارجع ، فإن قدر لك أمر فسوف تناله . فلما سمع ذلك أيس من التزويج وأخذ في مستأنف أمره في مؤالفة الجن ، فكان يهاديهم بما يصلح لهم من الهدايا ، فصافاه عمير ملك الجن وأخاه وألفه حتى صار عنده كالأخ . فلما رأى ذلك ذو شرح وأنه قد تمكن من ملك الجن قال له : هل لك أن تزوجني ابنتك عميرة ليكون لي في ذلك شرف إلى الممات فرغب فيه عمير ملك الجن لحسنه وجماله وشرفه وماله ؛ فزوجه ابنته بحضرة سادات الجن . وانصرف ذو شرح إلى مدينة سبأ وأهدى هدايا كثيرة إلى ملك الجن وسادات قومه ، ثم زفت إليه فوطئها فحملت منه .

الصفحة 89