كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 91 """"""
ففرق جنوده وأتى إليها بمفرده ، ودخل القصر وله سبعة أبواب . وكانت بلقيس قد جعلت عند كل باب جارية من بنات الجن من أحسن ما تكون من النساء ، وفي أيديهن أطباق الذهب فيها الدنانير والدراهم والطيب ، وأمرتهن أن ينثرن ذلك على الملك . فلما دخل توهم أن كل واحدة منهن امرأته وهم بالنزول عليها ، فتقول : أنا خادمتها وهي أمامك ، حتى انتهى إلى آخر الأبواب ، فتقدمت إليه جارية وأصعدته إلى العرش ، فنظر إلى القصر وما فيه من الآلات والزينة ، فرأى ما لم يخطر بباله . ثم أقبلت بلقيس والجواري بين يديها ينثرن على الملك من أنواع النثار وعلى رأسها تاج ، فصعدت على عرشها . فلما رآها الملك فتن بها وكاد يذهل عقله . وأخذت في مخادعته وملاعبته ، ثم أمرت بالطعام فأحضر بين يديه . فامتنع من الأكل وقال : ما أريد أن أغفل عن وجهك . فأمرت بإحضار الشراب فأتى به في آلات الجوهر النفيس . وأخذا في الشرب ، فلم تزل به حتى أسكرته وغاب عن عقله ووقع على قفاه لا يعقل من أمره شيئاً . فذبحته بلقيس ، ثم دعت بأبيها وأعلمته بما فعلت . ففرح وكتب إلى خزان الملك عن الملك : إني قد أحببت النزول بهذا القصر فاجمعوا ما في الخزائن من الأموال وأنفذوه إلى عندي . فجمعوا الأموال وأنفذوها إلى القصر . ثم أمرت بعد ذلك باتخاذ الأطعمة فصنعت ودعت سادات ملوك اليمن . فلما جلسوا قدمت إليهم الأطعمة فأكلوا ، ثم قدم إليهم الشراب فشربوا . فلما أخذ منهم أشرفت بلقيس عليهم وقالت : إن الملك يأمركم أن توجهوا إليه بنسائكم وبناتكم . فغضبوا وقالوا : أما يكفيه أنه فضح بنات العرب حتى طمع فينا نحن فقالت لهم : لا تغضبوا حتى أرجع إليه وأعرفه غضبكم . ثم أمرت أن يعاد عليهم الشراب ثانياً فشربوا ساعة ، فعادت إليهم وقالت : قد أخبرت الملك بغضبكم ومقالتكم فقال : لا بد من ذلك . فازداد القوم غضباً وصاحوا . فقالت : على رسلكم حتى أراجعه وأسأله . ومضت وعادت فقالت : إني عدت إلى الملك فوجدته قد نام ، فلما رأيكم في أمر أفعله وأريحكم مما أنتم فيه من شره على أن تملكوني على أنفسكم ؟ قالوا نعم . فحلفتهم على ذلك وأخذت عليهم العهود والمواثيق ، وغابت ساعة وعادت ومعها رأس الملك فألقته إليهم ، ففرحوا بذلك واستبشروا وملكوها عليهم . فملكت بضع عشرة سنة حتى بعث الله سليمان نبياً .

الصفحة 91