كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 92 """"""
ذكر خبر سليمان وبلقيس وسبب زواجه بها
قال : وكان سب اتصال خبرها بسليمان - ع - أنه بينما هو يسير على بساطه ، وكان الهدهد دليله على الماء لأنه يراه من عدة فراسخ ، فارتفع في الهواء لطلب الماء ، فنظر إلى هدهد قد أقبل من ناحية اليمن ، فالتقيا . فقال له الهدهد السليماني : من أين أنت ؟ قال : من اليمن . وسأله الآخر فقال : أنا من الشام من طيور الملك سليمان . قال : ومن سليمان ؟ قال : نبي الله ملك الجن والإنس والطير وجميع المخلوقات . قال : إن هذا ملك عظيم . قال : وهل في اليمن ملك ؟ قال : نعم ، ملكة يقال لها بلقيس تحت يدها عشرة آلاف قائد ، تحت يد كل قائد كذا وكذا ألفاً من العساكر .
وحكى الثعلبي أنه قال لما أخبره بملك سليمان : إن لصاحبكم ملكاً عظيماً ، ولكن ليس ملك بلقيس دونه ، فإنها ملكة اليمن وتحت يدها اثنا عشر ألف قيل مع كل قيل مائة ألف مقاتل - والقيل هو القائد بلغة أهل اليمن - فهل أنت منطلق معي حتى تراها ؟ قال نعم . فانطلق الهدهدان حتى أتيا بلاد اليمن وصارا إلى قصرها ؛ فنظر إليها الهدهد السليماني وإلى قصرها وملكها . وحضر وقت الصلاة لسليمان فلم يجد الهدهد ، فقال ما أخبر الله به عنه : " وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ، لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين " أي بحجة بينة . ثم دعا العقاب وقال : أنت عريف الطير ، فتعرف لي خبر الهدهد . فطار في الشرق والغرب ، وإذا هو بالهدهد قد أقبل من جهة اليمن ، فجاء به إلى سليمان فاستخبره عن سبب غيبته فقال : " أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبأ يقين . إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم " . وذكر صفة عرشها وما فيه من أصناف الجواهر وغيرها ثم قال : " وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله " وخر ساجداً لله ، ثم رفع رأسه وقال : " ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض " . قال سليمان : " سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين " . ثم سأله عن الماء فقال : هو تحت قائمة كرسيك . فأمر سليمان بتحويل البساط ، فحول ونقر الهدهد بمنقاره فخرج الماء ، فشرب الناس وصلوا . ثم قال للهدهد : " اذهب بكتابي هذا فألقيه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون " وأقبل سليمان على آصف بن برخيا وقال : أكتب إلى هذه المرأة كتاباً لطيفاً . فدعا بصحيفة من فضة وكتب : " بسم الله الرحمن الرحيم . إنه من سليمان ، وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي