كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 96 """"""
ألف . قال ابن عباس رضي الله عنهما : وكان سليمان رجلاً مهيباً ، لا يبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه . فخرج يوماً فجلس على سرير ملكه فرأى رهجاً قريباً منه ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : بلقيس . قال : وقد نزلت منا بهذا المكان ؟ قالوا نعم . قال ابن عباس رضي الله عنهما : كما بين الكوفة والحيرة قدر فرسخ .
قال : فأقبل حينئذ سليمان على جنوده فقال : " يأيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين . قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين " قال : أريد أسرع من ذلك . " قال الذي عنده علم من الكتاب - وهو أصف بن برخيا - أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك " . قال : وكان عنده اسم الله الأعظم . " فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم " ثم قال سليمان : " نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون " . فأقبل عفريت من الجن وقال : يا نبي الله ، إن رجليها كحافر حمار . قال له سليمان : إن كان ذلك كما قلت وإلا عاقبتك . قال : يا نبي الله ، أريد أن أتخذ لك صرحاً من قوارير ، وأجري فيه ماء ، وأنزل فيه الحيتان والسمك ، فلا يشك من رآه أنه ماء جار ، فاتخذه كذلك . فلما فرغ منه شكره . فقال : يا نبي الله ، أعف عني فإني كذبت على بلقيس في رجليها ، فعفا سليمان عنه .
وأقبلت بلقيس فجعلت تنظر إلى الجن والإنس والطير والوحش وغيرهم ، وهم قيام لا يضر بعضهم بعضاً . فلما قاربت الصرح الممرد إذا بعرشها ، فتعجبت . فقيل : أهكذا عرشك ؟ قالت : كأنه هو ، وعلمت أنه هو ، وأنه من قدره الأنبياء .
قال : فلما أقبلت إلى الصرح حسبته لجة وكشفت عن ساقيها . فناداها سليمان : إنه صرح ممرد من قوارير . فأرسلت ثوبها على ساقيها حياء من سليمان ، ثم " قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين " ثم أسلم قومها .

الصفحة 96