كتاب مصنف عبد الرزاق - ط التأصيل الثانية (اسم الجزء: 6)
وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ للهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ (¬١) مُمَزَّع (¬٢)
ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ، قَالَ: وَبَعَثَ قُرَيْش إِلَى عَاصِمٍ لِيُؤْتَوْا بِشَيءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ، وَكَانَ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ، فَبَعَثَ اللهُ مِثْلَ الظُّلَّةِ (¬٣) مِنَ الدَّبْرِ (¬٤)، فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ.
° [١٠٥٧٥] عبد الرزاق، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عُثْمَانَ الْجَزَرِيِّ، عَنْ مِقْسَمٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ مَعْمَرٌ: وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ بِبَعْضِهِ، قالَ: إِنَّ ابْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَأُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ الْجُمَحِيَّ الْتَقَيَا، فَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ لِأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ: وَكَانَا خَلِيلَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عُقْبَةُ، قَالَ: لَا أَرْضى عَنْكَ حَتَّى تَأْتيَ مُحَمَّدًا فَتَتْفُلَ فِي وَجْهِهِ، وَتَشْتِمَهُ وَتُكَذِّبَهُ، قَالَ: فَلَمْ يُسَلِّطْهُ اللهُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ أُسِرَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فِي الْأُسَارَى، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - علِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَقَالَ عُقْبَةُ: يَا مُحَمَّدُ، مِنْ بَيْنِ هَؤُلَاءِ أُقْتَلُ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: "بِكُفْرِكَ وَفُجُورِكَ، وَعُتُوِّكَ عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ".
قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَ مِقْسَمٌ: فَبَلَغَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ، قَالَ: فَمَنْ لِلصِّبْيَةِ؟ قَالَ: "النَّارُ"، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَأَمَّا أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، فَقَالَ: وَاللهِ لأَقْتُلَنَّ مُحَمَّدًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ"، قَالَ: فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِمَّنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ، فَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا قِيلَ لِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مَا قُلْتَ؟ قَالَ: "بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ"، فَأَفْزَعَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ: أَنْشُدُكَ
---------------
(¬١) الشلو: العضو من اللحم، والجمع: الأشلاء. (انظر: النهاية، مادة: شلا).
(¬٢) الممزع: القطع. (انظر: النهاية، مادة: مزع).
(¬٣) الظلة: السحابة. (انظر: المشارق) (١/ ٣٢٨).
(¬٤) الدبر: النحل، وقيل: الزنابير. (انظر: النهاية، مادة: دبر).
الصفحة 33