كتاب مصنف عبد الرزاق - ط التأصيل الثانية (اسم الجزء: 6)
الْجَبَّانَةِ (¬١)، انْخَزَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بِثُلُثِ الْجَيْشِ، أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ثُلُثِ الْجَيْشِ، فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى لَقُوهُمْ بِأُحُدٍ، وَصَافُّوهُمْ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَهِدَ إِلَى أَصْحَابِهِ إِنْ هُمْ هَزَمُوهُمْ أَلَّا يَدْخُلُوا لَهُمْ عَسْكَرًا، وَلَا يَتْبَعُوهُمْ، فَلَمَّا الْتَقَوْا هَزَمُوا، وَعَصَوْا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَتَنَازَعُوا وَاخْتَلَفُوا، ثُمَّ صَرَفَهُمُ اللهُ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَهُمْ، كَمَا قَالَ اللهُ، وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ وَعَلَى خَيْلِهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَتَلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبْعِينَ رَجُلًا، وَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ شَدِيدَةٌ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَةُ (¬٢) رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ودَمِيَ وَجْهُهُ، حَتَّى صَاحَ الشَّيْطَانُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ قُتِلَ مُحَمَّد، قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ عَرَفَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، عَرَفْتُ عَيْنَيْهِ مِنْ وَرَاءِ الْمِغْفَرِ (¬٣)، فَنَادَيْتُ بِصوْتيَ الْأَعْلَى: هَذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنِ اسْكُتْ، وَكَفُّ اللهُ الْمُشْرِكِينَ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ وُقُوفٌ، فَنَادَى أَبُو سُفْيَانَ بَعْدَمَا مُثِّلَ بِبَعْضِ أَصحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَجُدِعُوا، وَمِنْهُمْ مَنْ بُقِرَ بَطْنُهُ، فَقَالَ أَبُو سفْيَانَ: إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي قَتْلَاكُمْ بَعْضَ الْمَثْلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَنْ ذَوِي رَأْيِنَا وَلَا سَادَتِنَا، ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: اعْلُ هُبَلُ (¬٤)، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اللهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ، فَقَالَ: أَنْعَمْتَ عَيْنًا، قَتْلَى بِقَتْلَى بَدْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا يَسْتَوِي الْقَتْلَى، قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَقَدْ خِبْنَا إِذَنْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ، وَنَدَبَ (¬٥) النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَصْحَابَهُ فِي طَلَبِهِمْ، حَتَّى إِذَا بَلَغُوا قَرِيبًا مِنْ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ (¬٦)، وَكَانَ فِيمَنْ طَلَبَهُمْ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَذَلِكَ حِينَ
---------------
(¬١) الجبانة: الصحراء، وتسمى بها المقابر، لأنها تكون في الصحراء، تسمية للشيء بموضعه. (انظر: النهاية، مادة: جبن).
(¬٢) الرباعية: إحدى الأسنان الأربع التي تلي الثنايا بين الثنية والناب تكون للإنسان وغيره، والجمع: رباعيات. (انظر: اللسان، مادة: ربع).
(¬٣) المغفر: اللثام أو طرف العمامة يشده على فمه. (انظر: اللسان، مادة: غفر).
(¬٤) هبل: صنم معروف كان يُعبَد. (انظر: النهاية، مادة: هبل).
(¬٥) الندب: الحث على الشيء والترغيب فيه. (انظر: المشارق) (٢/ ٧).
(¬٦) حمراء الأسد: على ثمانية أميال من المدينة عن يسار الطريق إذا أردت ذا الحليفة. (انظر: الروض المعطار) (ص ٢٠٠).
الصفحة 40