كتاب مصنف عبد الرزاق - ط التأصيل الثانية (اسم الجزء: 6)
يُجِيبُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَأَبَوْا أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَزَلُوا عَلَى دَاءٍ فَأَقْبَلُوا بِهِمْ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَسِيرًا عَلَى أَتَانٍ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخَذَتْ قُرَيظَةُ تُذَكِّرُهُ بِحِلْفِهِمْ، وَطَفِقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَنْفَلِتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مسْتَأْمِرًا، يَنْتَظِرُهُ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ، فَيُجِيبُ بِهِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ: أَتُقِرُّ بِمَا أَنَا حَاكِمٌ، وَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: بِقَوْلِ "نَعَمْ"، قَالَ سَعْدٌ: فَإِنِّي أَحْكُمُ بِأَنْ يُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَصَابَ الْحُكْمَ"، قَالَ: وَكَانَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ اسْتَجَاشَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَلَاكَ (¬١) لِبَنِي قُرَيْظَةَ، فَاسْتَفْتَحَ عَلَيْهِمْ لَيْلًا، فَقَالَ سَيِّدُهُمْ: إِنَّ هَذَا رَجُلٌ مَشْئُومٌ، فَلَا يَشْأَمَنَّكُمْ حُيَيٌّ، فَنَادَاهُمْ: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ، أَلَا تَسْتَجِيبُوا؟ أَلَا تَلْحِقُونِي؟ أَلَا تُضَيِّفُونِي؟ فَإِنِّي جَائِعٌ مَقْرُورٌ، فَقَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ: وَاللهِ لَنَفْتَحَنَّ لَهُ، فَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى فَتَحُوا لَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِمْ أُطُمَهُمْ، قَالَ: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ جِئْتُكُمْ فِي عَزِّ الدَّهْرِ، جِئْتُكُمْ فِي عَارِضِ بَرْدٍ لَا يَقُومُ لِسَبِيلِهِ شَيْءٌ، فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُمْ: أَتَعِدُنَا عَارِضًا بَرْدًا يَنْكَشِفُ عَنَّا، وَتَدَعُنَا عِنْدَ بَحْرٍ دَائِمٍ لَا يُفَارِقُنَا، إِنَّمَا تَعِدُنَا الْغُرُورَ، قَالَ: فَوَاثَقَهُمْ وَعَاهَدَهُمْ لَئِنِ انْفَضَّتْ جُمُوعُ الْأَحْزَابِ أَنْ يَجِيءَ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَهُمْ أُطُمَهُمْ، فَأَطَاعُوهُ حِينَئِذٍ بِالْغَدْرِ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا فَضَّ اللهُ جُمُوعَ الْأَحْزَابِ، انْطَلَقَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ (¬٢)، ذَكَرَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ الَّذِي أَعْطَاهُمْ، فَرَجَعَ حَتَّى دَخَلَ مَعَهُمْ، فَلَمَّا أَقْبَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ أُتِيَ بِهِ مَكْتُوفًا بِقِدٍّ، فَقَالَ حُيَيٌّ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَمَا وَاللهِ مَا لُمْتُ نَفْسِي فِي عَدَاوَتِكَ، وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلِ اللهَ يُخْذَلُ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ.
---------------
(¬١) كذا في الأصل.
(¬٢) الروحاء: موضع على الطريق بين المدينة وبدر، على مسافة أربعة وسبعين كيلو مترًا من المدينة، نزلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طريقه إلى مكة. (انظر: المعالم الأثيرة) (ص ١٣١).
الصفحة 44