كتاب مصنف عبد الرزاق - ط التأصيل الثانية (اسم الجزء: 6)

تَرَكُوا لَهُ حَوْضهُ ذَلِكَ، وَسِقَايَتَهُ، ثمَّ تَزَوَّجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ النِّسَاءَ فَوُلِدَ لَه عَشَرَةُ رَهطٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِني كُنْتُ نَذَرْتُ لَكَ نَحْرَ أَحَدِهِم، وَإِنِّي أُقرعُ بَيْنَهُمْ، فَأَصِبْ بِذَلِكَ مَنْ شِئتَ، فَأَقرَعَ بَيْنَهُمْ، فَصَارَتِ الْقُرْعَة عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ أَحَبَّ وَلَدِهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هُوَ * أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ؟ قَالَ: ثُمَّ أَقرَعَ بَينَهُ وَبَينَ مِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ، فَصَارَتِ القرْعَةُ عَلَى مِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ فَنَحَرَهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مَكَانَ عَبدِ اللَّهِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ أَحْسَنَ رَجُلٍ رُئِيَ فِي قُرَيشٍ قَطُّ، فَخَرَجَ يَوْمًا عَلَى نِسَاءٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَجْتَمِعَاتٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنهُنَّ: يَا نِسَاءَ قرَيشٍ، أَيَّتُكنَّ يَتَزَوَّجُهَا هَذَا الفَتَى فَنَصَطَتِ النُّورَ الَّذِي بَيْنَ عَينَيْهِ، قَالَ: وَكَانَ (¬١) بَينَ عَينَيْهِ نُورٌ فَتَزَوَّجَتْهُ آمِنَةُ ابنَةُ وَهبِ بنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، فَجَمَعَهَا، فَالْتَقَت (¬٢) فَحَمَلَت بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ بَعَثَ عَبْد الْمُطَّلِبِ عَبْدَ اللِّهِ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَمتَارُ لَهُ تَمْرًا مِن يَثرِبَ، فَتُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بِهَا، وَوَلَدَتْ آمِنَةَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَانَ فِي حَجْرِ (¬٣) عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَاسْتَرْضَعَهُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَنَزَلَتْ بِهِ الَتِي تُرْضعُهُ سُوقَ عُكَاظٍ، فَرَآهُ كَاهِنٌ مِنَ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ عُكَاظٍ، اقْتُلُوا هَذَا الْغُلَامَ، فَإِنَّ لَهُ مُلْكًا، فَرَاعَتْ بِهِ أمُّهُ الَتِي تُرْضعُهُ، فَنَجَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ شَبَّ عِنْدَهَا، حَتَّى إِذَا سَعَى وَأُخْتُهُ مِنَ الرَّضاعَةِ تَحْضنُهُ، فَجَائتْهُ أُخْتُهُ مِنْ أُمِّهِ الَّتِي تُرْضعُهُ، فَقَالَتْ: أَيْ أُمَّتَاهْ، إِني رَأَيْتُ رَهْطًا أَخَذُوا أَخِي آنِفًا، فَشَقُّوا بَطْنَهُ، فَقَامَتْ أُمَّهُ الَّتِي تُرْضِعُهُ فَزِعَةً، حَتَّى أَتَتهُ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ، لَا تَرَى عِنْدَهُ أَحَدًا، فَارْتَحَلَتْ بِهِ، حَتَّى أَقْدَمَتهُ عَلَى أُمِّهِ، فَقَالَتْ لَهَا: اقْبِضِي عَنِّي ابنَكِ، فَإِنِّي قَدْ خَشِيتُ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: لَا وَاللَّهِ، مَا بِابْنِي مَا (١) تَخَافِينَ، لَقَدْ رَأَيْتُ وَهُوَ فِي بَطْنِي أَنَّهُ خَرَجَ نُورٌ مِنِّي أَضاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ، وَلَقَدْ وَلَدَتْهُ حِينَ وَلَدَتْهُ، فَخَرَّ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ، رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَافْتَصلَتْهُ أُمُّهُ وَجَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ
---------------
* [٣/ ٦٥ ب].
(¬١) سقط من الأصل، والسياق يقتضيه.
(¬٢) كذا في الأصل، ولم نتبينه.
(¬٣) الحجر: الحضانة والتربية. (انظر: المشارق) (١/ ١٨١).

الصفحة 7