كتاب مصنف عبد الرزاق - ط التأصيل الثانية (اسم الجزء: 6)

فيهِمْ بِمَرِّ (¬١) السِّنِينَ إِلَّا رِضًا، حَتَّى سَمَّوه الْأَمِينَ قَبْلَ أَنْ يُنَزلَ عَلَيْهِ الْوَحي، ثُمَّ طَفِقُوا لَا يَنْحَرُونَ جَزُورًا (¬٢) لِبَيْعٍ إِلَّا دَرُوهُ فَيَدْعُو لَهُمْ فِيهَا، فَلَمَّا اسْتَوَى وَبَلَغَ أَشُدَّهُ، وَلَيْسَ لَهُ كَثِيرُ مَالٍ اسْتَأْجَرَتْهُ خَدِيجَةُ ابْنَةُ خُوَيْلِدٍ إِلَى سُوقِ حُبَاشَةَ وَهُوَ سُوقٌ بِتِهَامَةَ وَاسْتَأْجَرَتْ مَعَهُ رَجُلًا آخَرَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنهَا: "مَا رَأَيتُ مِن صَاحِبَةِ أَجِيرٍ خَيرًا مِنْ خَدِيجَةَ، مَا كُنا نَرجِعُ أَنَا وَصَاحِبِي إِلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا تُحفَةً مِن طَعَامٍ تُخَبِّئه لَنَا"، قَالَ: "فَلَمَّا رَجَعْنَا مِن سُوقِ حُبَاشَةَ"، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قُلْتُ لِصَاحِبِي: انْطَلِق بِنَا نُحْدِثُ عِندَ خَدِيجَةَ"، قَالَ: "فَجِئْنَاهَا فَبَينَا نَحْنُ عِندَهَا إِذ دَخَلَتْ عَلَينَا مُنتَشِيَةٌ مِنْ موَلَّدَاتِ قُرَيشٍ"، وَالْمُنْتَشِيَةُ: النَّاهِدُ الَّتِي تَشْتَهِي الرَّجُلَ، "قَالَت: أَمُحَمَدٌ هَذَا؟ وَالَّذِي يُخلَفُ بِهِ إِن جَاءَ لَخَاطِبا، فَقُلت: كَلَّا، فَلَمَّا خَرَجنَا أَنَا وَصَاحِبِي، قَالَ: أَمِن خِطبَةِ خَدِيجَةَ تَستَحيِي؟ فَوَاللَّهِ مَا مِن قُرَشِيةٍ إِلَّا تَرَاكَ لَهَا كُفُؤًا"، قَالَ: "فَرَجَعتُ إِلَيهَا مَرَّةً أخرَى، فَدَخَلَت عَلَينَا تِلكَ المُتتَشِيَةُ، فَقَالَت: أَمُحَمَّدٌ هَذَا؟ وَالَّذِي يُخلَفُ بِهِ إِن جَاءَ لَخَاطِبا"، قَالَ: "قُلْتُ عَلَى حَيَاءٍ: أَجَل"، قَالَ: "فَلَم تَعْصِنَا خَدِيجَةُ وَلَا أُخْتهَا"، فَانْطَلَقَتْ إِلَى أَبِيهَا خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ وَهُوَ ثَمِلٌ مِنَ الشَّرَابِ، فَقَالَتْ: هَذَا ابْنُ أَخِيكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبدِ اللهِ يَخْطُبُ خَدِيجَةَ، وَقَدْ رَضِيَتْ خَدِيجَةُ، فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَخَطَبَ إِلَيْهِ فَأَنْكَحَهُ، قَالَ: فَخَلَّقَتْ خَدِيجَةَ، وَحَلَّتْ عَلَيْهِ حُلَّةً، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ صَحَا الشَّيْخُ مِنْ سُكْرِهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا الْخَلُوقُ (¬٣)؟ وَمَا هَذِهِ الْحُلَّةُ (¬٤)؟ قَالَت أُخْتُ خَدِيجَةَ: هَذِهِ حُلَّةٌ كَسَاكَ ابْنُ أَخِيكَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنْكَحْتَهُ خَدِيجَةَ، وَقَدْ بَنَى بِهَا، فَأَنْكَرَ الشَّيْخُ، ثُمَّ سَلَّمَ إِلَى أَنْ صارَ ذَلِكَ، وَاسْتَحْيَا
---------------
(¬١) تصحف في الأصل إلى: "عن"، وصوبناه استظهارا للمعنى.
(¬٢) الجزور: البعير (الجمل) ذكرًا كان أو أنثى، والجمع: جُزر وجزائر. (انظر: النهاية، مادة: جزر).
(¬٣) الخلوق: طيب مركب يتخذ من الزعفران وغيره، تغلب عليه الحمرة والصفرة. (انظر: النهاية، مادة: خلق).
(¬٤) الحلة: إزار ورداء برد أو غيره، ويقال لكل واحد منهما على انفراد: حلة، وقيل: رداء وقميص وتمامها العمامة، والجمع: حُلَل وحِلَال. (انظر: معجم الملابس) (ص ١٣٦).

الصفحة 9