كتاب السنا والسنوت في معرفة ما يتعلق بالقنوت

إن قوماً يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في الفجر، فقال: ((كذبوا إنما قنت شهراً واحداً يدعو على حي من أحياء المشركين))، وقيس وإن كان ضعيفاً لكنه لم يتهم بالكذب [عنه].
وروى ابن خزيمة في صحيحه من طريق سعيد عن قتادة: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقنت إلا إذا دعا لقومٍ أو دعا على قومٍ))، فاختلفت الأحاديث عن أنس واضطربت فلا يقوم بمثل هذا حجة). انتهى كلامه في تخريج الرافعي.
وإذا تعارضا فلا بد من الترجيح، ولا شك أن المثبت مقدم على النافي، وحديث أنس عند الحاكم فيه إثبات القنوت، وحديثه عند الترمذي وغيره ناف، فيقدم رواية الحاكم مع قوتها وصراحتها وضعف غيرها واحتمال القوي منها كما مر.
أقول: على أن الجمع مقدم على الترجيح مهما أمكن، وهنا في بعضها ممكن، لكن لا على الوجه الذي سبق من حمل القنوت على طول القيام لأن الظاهر المتبادر من كلام الشارع المعاني الشرعية لا اللغوية، سيما وقد صرح في بعض الروايات بأنه صلى الله عليه وسلم : ((قنت شهراً ثم تركه إلا في الصبح فإنه لا زال يقنت في الصبح إلى أن فارق الدنيا)). انتهى، فهذا الاستثناء وقع في القنوت الصادر منه صلى الله عليه وسلم وهو قنوت النازلة لأنه إنما كان دعا على الكفرة، ومعلوم أنه قنوت شرعي لا لغوي، فالمستثنى كذلك، بل على أن يقال: معنى الحديث: قنت للنازلة في جميع الصلوات شهراً ثم ترك القنوت فيها لها إلا الصبح فإنه صلى الله عليه وسلم لا زال يقنت فيها للنوازل إلى أن فارق الدنيا، وبقية الأحاديث السابقة لا تأبى

الصفحة 56