كتاب سنن أبي داود - ت الأرنؤوط (اسم الجزء: 6)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------
= وذلك أنه نفي في نكرة، فاشتمل على حسن الكفار عموماً. وقد قال -صلَّى الله عليه وسلم-: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم" فكان الذمي والمستأمَن في ذلك سواء.
وقد اختلف الناس في هذا:
فقال بظاهر الحديث جماعة من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار. ثبت ذلك عن عمر وعثمان وزيد بن ثابت، وروي ذلك عن علي رضي الله عنه ورضي عنهم أجمعين.
وهو قول عطاء وعكرمة والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز. وبه قال سفيان الثوري وابن شبرمة. وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق.
وقال الشعبي والنخعي: يُقتل المسلم بالذمي. وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه، وتأوّلوا قوله: "لا يُقتل مؤمن بكافر" أي: بكافر حربي دون من له عهد وذمة من الكفار. وادعوا في نظم الكلام تقديماً وتأخيراً، كأنه قال: لا يُقتل مؤمن ولا ذو عهد في عهده بكافر.
وقالوا: لولا أن المراد به هذا لكان الكلام خالياً عن الفائدة؛ لأن معلوماً بالاجماع أن المعاهد لا يُقتل في عهده، فلم يجز حمل الخبر الخاص على شيء قد استُفيد معرفته من جهة العلم العام المستفيض. واحتجوا أيضاً بخبر منقطع عن ابن البيلماني: أن النبي - صلَّى الله عليه وسلم - أقاد مسلماً بكافر.
قلت [القائل الخطابي]: "لا يقتل مؤمن بكافر" كلام قام مستقل بنفسه، فلا وجه لتضميه بما بعده وإبطال حكم ظاهره، وحمله على التقديم والتأخير، وإنما يُفعل ذلك عند الحاجة والضرورة في تكميل ناقص وكشف عن مبهم، ولا ضرورة با في هذا الموضع إلى شيء من ذلك.
فأما تحديده ذكر المعاهد وأنه لا يقتل ما دام مقيماً على عهده، فإن للنبي -صلَّى الله عليه وسلم- أن يكرر البيان، وأن يظاهر بذكر الشيء مرة بعد أخرى، إشباعاً في البيان وإفهاماً للمخاطبين بالكلام.
وقد يحتمل أن يكون النبي - صلَّى الله عليه وسلم - لما أسفط القصاص عن المسلم إذا قتل كافراً احتاج إلى أن يؤكد حق دم المعاهد، فيجدد القول فيه. لأن ظاهر ذلك يوجب توهين حرمة دم الكفار، ولا يؤمن أن يكون في ذلك الإغراء بهم، فخشي إقدام المتسرع من =

الصفحة 588