كتاب شرح مختصر الطحاوي للجصاص (اسم الجزء: 6)

الآخر: فإنا نعتبر فيه استعمال الفقهاء، فإن استعملوها على أن أحدهما مرتب على الآخر، استعملناها على ذلك، وإن اتفقوا على استعمال أحدهما، واختلفوا في استعمال الآخر، كان الذي اتفقوا على استعماله أولى عندنا بالثبات، ويصير قاضيًا على المختلف في استعماله، عامًا كان أو خاصًا.
فلما اتفقت الأمة على استعمال قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث"، واختلفوا في استعمال حديث عمرو بن أبي عمرو، كان ما ذكرناه من قوله: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث": قاضيًا عليه.
وعلى أن هذا حديث لم يفصل بين المحصن وغيره في إيجاب القتل، فعلمنا أنه لم يوجب قتله من طريق حد الزنى؛ لأن العقوبة المستحقة بالزنى يختلف حكمها في المحصن وغير المحصن من الأحرار.
فإن قيل: روي في بعض ألفاظ أبي هريرة: "إن هذا الفعل زنى"، فيجب أن يكون فيه حد الزنى".
قيل له: ما يعرف هذا في شيء من الأخبار، ولو ثبت لكان على جهة التشبيه بالزنى في إيجاب التحريم، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أما عبد تزوج بغير إذن مولاه، فهو عاهر"، ولم يقل أحدٌ من الفقهاء إن ذلك زنى يوجب الحد، وكما قال: "زنى العين النظر، وزنى الرجل المشي"، ونحو ذلك من الألفاظ التي يراد بها التشبيه، وكما قال

الصفحة 172