كتاب شرح مختصر الطحاوي للجصاص (اسم الجزء: 6)

أما صحة رجوعه عن الإقرار، فلما روى إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبي المنذر مولى أبي ذر عن أبي أمية المخزومي رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص قد اعترف اعترافًا، ولم يوجد معه متاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما إخالك سرقت"، قال: بلى، وأعاد عليه مرتين أو ثلاثًا، وأمر به، فقطع يده".
فدل هذا الحديث على صحة رجوعه عن الإقرار، لولا ذلك لما لقنه النبي صلى الله عليه وسلم الرجوع عنه بعد اعترافه.
ويدل عليه: ما روي في قصة ماعز، أنه لما وجد مس الحجارة جزع، فاشتد، فلقيه عبد الله بن أنيس، وقد أعجز أصحابه، فرماه بوظيف بعير، فقتله، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "هلا تركتموه، لعله أن يتوب، فيتوب الله عليه".
رواه هشام بن سعد عن يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه، وذكر القصة على وجهها.
فلما منع نفسه مما بذلها له بدءًا، أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بتركه، فإذا كان هربه يوجب تركه، فرجوعه عن الإقرار أولى بذلك.
فإن قال قائل: كيف يقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "هلا تركتموه"، وهم لو تركوه بعد أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمه كانوا عصاة، لتركهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم.

الصفحة 187