كتاب شرح مختصر الطحاوي للجصاص (اسم الجزء: 6)

وقوله: إنه من حقوق الله تعالى: أراد به نفس الحد، لا المطالبة به، إذ ليس يمتنع أن يكون الحق لواحد، والمطالبة به لآخر، كالوكيل بالبيع يطالب، وملك الثمن للآمر، وكذلك المشتري إذا كان وكيلاً، فإن قبض العبد إليه، والملك للآمر، والقطع في السرقة حق الله تعالى، والمطالبة للآدمي، لأنه لو لم يخاصم فيه: لم يقطع.
والدليل على أن نفس الحد من حقوق الله عز وجل، ولا يصح العفو فيه: أن عدد الضرب المستحق بالقذف مقدر لا تجوز الزيادة عليه، ولا النقصان منه، فأشبه حد الزنى وشرب الخمر والسرقة، ألا ترى أن ما كان من حقوق الناس مثل التعزير وغرامة المتلفات، تختلف مقاديرها على حسب ما يوجبه الرأي والاجتهاد فيها، وعلى حسب اختلاف المتلف في نفسه.
وليس في تعلق إقامته بخصومة الآدمي ومطالبته ما ينفي أن يكون حقًا لله تعالى، لا يجوز العفو فيه؛ لأن القطع في السرقة لا يثبت إلا بخصومة الآدمي، ولم يدل على أنه من حق الآدمي، وعلى جواز العفو فيه.
فإن قيل: قد فرقتم بينهما من جهة إسقاطكم القطع في السرقة بالتقادم، وإيجابكم حد القذف مع التقادم إذا طالب به المقذوف.
قيل له: اختلافهما من هذا الوجه، لا يمنع إسقاط سؤال السائل في تعلق إقامته بمطالبة الآدمي، واتفاقهما من الوجه الذي ذكرنا.
وإنما اختلف حكمهما من الوجه الذي ذكرت، من قبل أن حق المقذوف هو المطالبة بالحد، لا غير، لما تناوله من عرضه بقذفه، وأما القطع في السرقة فليس حق المسروق هو المطالبة بالقطع، وإنما حقه المطالبة بالمال، ألا ترى أنه لو رد عليه المال قبل الخصومة، لم يكن له

الصفحة 211