كتاب شرح مختصر الطحاوي للجصاص (اسم الجزء: 6)

أن يخاصمه في القطع، إلا أنهما مع ذلك قد تعلقنا بمطالبة الآدمي وخصومته فيه، وإن اختلفا من وجه آخر.
ومما يدل على أنه من حقوق الله سبحانه وتعالى: أن الإباحة لا تسقط حكمه، ألا ترى أنه لو قال له: اقذفني، فقذفه: وجب عليه الحد، وليس كالقصاص؛ لأن الإباحة تسقطه، ألا ترى أنه لو قال له: اقطع يدي، فقطعها: لم يكن عليه شيء.
ودليل آخر: وهو اتفاق مخالفينا على أن حد العبد في القذف على النصف من حد الحر، كحد الزنى، فلو كان من حق الآدمي ما اختلف الحر والعبد فيما يثبت عليه، كما لا يختلفان في سائر حقوق الناس، ألا ترى أن العبد إذا قتل: كان الذي يثبت عليه من القصاص أو الدية في الرقبة مثل ما يثبت على الحر بجنايته.
فإن قيل: فالحر والعبد يستويان في قطع السرقة، فقل: إن حد السرقة من حقوق الآدميين.
قيل له: إن ما يستوي العبد والحر فيه، فهو من حقوق الآدميين، فيلزم ما ذكرت، وإنما قلنا إن من شأن حقوق الآدميين أن لا يختلف حكم الجناية فيما يثبت عليهم بها، فلما وجدنا الحر والعبد يختلفان في ذلك، علمنا أنه ليس بحق الآدمي، وليس يمتنع مع ذلك أن يتفقا في بعض حقوق الله عز وجل مما لا يتبعض، والقطع في السرقة لا يتبعض.
وإن شئت قلت في الابتداء: إن الجلد لما اختلف فيه الحر والعبد، وكان مما يتبعض من الحدود، أشبه حد الزنى، ولا يلزم عليه حد

الصفحة 212