كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 6)
منتهاه، فيحل به، فحلوله عزم وإضمار، فإن كانت سيئة، صار قد هم بسيئة، فهي وإن لم يكتب عليه، فقد انحط من درجته، وأضر به؛ لأنه قد عزم على معصية الله، فهذا هم حلول القلب.
والهم الأول إنما هو دبيب القلب إلى الخاطرة، ثم عمي عليه الطريق، فعجز وتحير.
وإنما يصير همه هماً واحداً: إذا نسي نفسه وأحوالها، وأن ينكشف له الغطاء عن المعرفة بالله حتى يرى الله كافياً له في كل أمر من دنياه أو آخرته، فعندها يرفع باله عن التدبير لنفسه، ويلقي ذلك كله إلى الله تفويضاً، ويراقب ماذا يخرج له من تدبيره ساعة فساعة، فتدبير الله للمؤمن أعلى من تدبيره لنفسه، فإذا رفض العبد تدبيره، وأقبل على ملاحظة تدبير الله في كل وقت، ماذا يظهر له، فقد استراح.
فإنما همه في كل ساعة: التوخي لمحابة الله في كل أمر من متقلبه، فإنه إنما خلقه عبداً؛ ليكون له عبداً عارفاً له، عالماً به، فينظر بعين المعرفة والعلم إلى عظمته وجلاله، وبهائه، وكبريائه، وسلطانه، ورحمته، وإلى ملكه وأبديته، فيقر عينه، ويمتلئ قلبه فرحاً به، فعندها يظهر المحبة على قلبه، ويشتاق إلى لقائه، ويتبرم بحياته، ويقلق بمكانه، ينتظر متى يدعى فيجيب، فهو مسجون برمق الحياة.