كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 6)
ولا علم، قال: يا رب! فكيف يكون هذا، ولا حلم ولا علم؟ قال: أعطيهم من حلمي وعلمي.
فدلت هذه الأخبار أن هذا اليقين الذي نالوه من فضل الله ورحمته يذيب خواطر الشرك في قلوبهم وصدورهم، فيدق حتى لا يرى، فيخفى ويضعف حتى لا يؤثر كونه على القلب، كما لا تؤثر الذرة على الصفا بدبيبها، ولذلك ما ذكر الله تعالى في تنزيله شأن العبدين الصالحين: أحدهما: خليله؛ حيث رأى تلك الميتة طافيةً على الماء، فجاء طائر فنتف منها وطار، وأطلع بعض الحيتان رأسه، فنتف منها، فحن قلب خليل الله إلى ملاحظة الأشياء التي منها تحدث الأشياء، فقال: {رب أرني كيف تحيي الموتى}؛ فقد كان موقناً بأن الرب يحيي الموتى، ولكن أحب أن يرى كيفية الإحياء؛ ليطالع ما أبرز الله من قدرته على أعين القلوب بهذا البصر الذي في رأسه؛ فإن هذا البصر حظ النفس، وبصر القلب حظ القلب، فقال: {أولم تؤمن}؛ أي: لم يطمئن قلبك، وهو به أعلم، قال: {بلى ولكن ليطمئن قلبي}.
فهذه طمأنينة أخرى، تلك طمأنينة الإيمان، وهذه طمأنينة من الحنين حنين القلب إلى رؤية كيفية الإحياء، فأجابه الله إلى ما سأل إكراماً له؛ لأنه سأل هذه الحاجة عن الحنين حنين الحب، لا عن الشك وضيق الصدر.