كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 6)

فهؤلاء الأربع غياث العباد، وإليهم المفزع، فإذا قصدوا الله، جعلوا نوره مرآة قلوبهم، فينظرون فيها إلى عجائب ما أبرز من ملكه من لدن عرشه إلى الثرى، وإلى عجائب تدبيره فيهم، وإلى قدرته عليهم، فأداهم ذلك النظر بقوة ذلك النور إلى عظمته، وجلاله ونفاذ قدرته، وإلى جوده وكرمه، ولطفه وعطفه عليهم، وبره بهم، وعظيم منه، فامتلأت صدورهم به علماً، وامتلأت قلوبهم به غنًى، وقويت أركانهم للقيام بأموره، وانقادت نفوسهم ذلة وخشعة وخضعة، واستسلمت لله، ونظرت عيون الأفئدة منهم إلى تدبيره وحكمه.
وإذا قصدوا القرآن، جعلوا بسم الله الرحمن الرحيم علماً لعسكر القرآن، فإن القرآن بمنزلة جند وعسكر، فيه ألوان الأسلحة، وآلة الحرب والعدة، فبه تحارب الهوى والنفس والعدو، وتبطل مكائدهم، وتقلبهم عن طريقك إلى الله، فإنهم قعدوا على طريقك؛ ليصدوك عن السير إلى الله، وقد دعاك الله فأجبته، والعدو يتلظى غيظاً وحسداً من دعوته إياك، وإجابتك إياه؛ فإنه دعاك إلى المغفرة وإلى دار السلام، وأنزل عليك بذلك وحياً، فالعدو لا ينام ولا ينيم، يريد أن يعدلك عنه، حتى يسوقك إلى سجنه، والهوى من جنوده، فهو على المقدمة، والعدو من ورائه، والنفس طياشة

الصفحة 419