كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 6)
هو ترك الشهوات والمنى، ورفض الهوى، وإنما جعل الحوض حوض الرسول عليه السلام غياثاً لأهل الموقف؛ لأنهم يقومون عطاشاً من قبورهم؛ لأنهم دخلوها مع الهوى والشهوات، لم يفارقوها إلا بمفارقة الروح، وخروج النفس، فخرجوا من الدنيا عطاشاً، فاحتاجوا إلى الحوض، ومن خرج من الدنيا، وقد فارق الهوى والشهوات، فإنما سكن عطشه، وروي برحمة الله من قرب الله، فدخل القبر رياناً، وخرج منه يوم القيامة إلى الله رياناً من كل ماء، عطشاناً إلى لقاء الله، فأولئك الذين يسقون قبل دخول الجنة، حتى يرووا من حيث عطشوا.
روي لنا عن مالك بن دينار: أنه قال: ينادي منادٍ يوم القيامة: أين أهل العطش؟ فأول من يقوم داود -عليه الصلاة والسلام-، فيسقى على رؤوس الخلائق، فذلك قوله تعالى: {وإن له عندنا لزلفى وحسن مئابٍ}.
فإنما خص داود بالأولية؛ لأن الخطيئة عطشته، وهو وإن تاب، وقبلت توبته، وغفر الله له ذلك، فذلك العطش باقٍ إلى ذلك اليوم.
((ورأيت رجلاً من أمتي والنبيون قعودٌ حلقاً حلقاً، كلما دنا لحلقةٍ، طرد، فجاءه اغتساله من الجنابة، فأخذ بيده، فأقعده إلى جنبي)).
قال أبو عبد الله رحمه الله:
فالجنابة إنما سميت جنابة؛ لأن الماء الذي جرى من صلبه قد كان جاور في الأصل مياه الأعداء في ظهر آدم عليه السلام، فأصابته زهومة تلك المياه