كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 6)

الموحدين في منازل الدين، وفي درجات الجنان غداً، بتفاضل العقول، فالعبادة والاجتهاد فيها من دأب النفس ما هو وبال على صاحبه؛ لأن دأب النفس هو الهوى الذي حذرنا اتباعه في التنزيل، فقال: {ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله}.
فإذا كانت العبادة والاجتهاد فيها، فخرجها من تدبير العقل، استقام الأمر، وصفت العبادة، وذهب الجهد؛ لأن الجهد من ضيق النفس وعسرتها، والهوى يضيق أمرها عليها، وهي في ذاتها معسرة عسرة ذات نكر؛ لخلائها وفقرها، وتزاحم شهواتها في الجوف، فإذا جاء العقل وغلب الهوى، ارتد الهوى، قهقرى، وذل وخمد سلطانه، فعند ذلك سكنت النفس، واستقرت عن التذبذب والطيش، ووجد القلب قراره في مستقره؛ لأن القلب معلق في موضعه بعروقه كالدلو بأذنيه، أو كقنديل بسلاسله، فإذا تحركت النفس، وجاء أهبوب الهوى، فجاش بالنفس، ودار بها دوران الرحا، تذبذب القلب، فإذا كان العقل ولي القلب، غالباً للهوى، فالهوى مقضي مدحور ذليل، والقلب أمير مؤمر عدل في إمارته، فلا يستعمل جارحة إلا بما يدبر له العقل، ويزين وينهج سبيله، فلذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع بعبادة رجل، سأل عن عقله.

الصفحة 463