كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 6)

قال أبو عبد الله رحمه الله:
فظهر القرآن يحاج الظالمين أهل التخليط، وبطن القرآن يحاج المقتصدين؛ لأن ظاهر القرآن لأهل الجنان، وباطن القرآن لأهل الغرف، وهم السابقون عباد الرحمن، فإنما يحاج المقتصدين؛ لأنهم أقاموا ما أنزل إليهم من ربهم على مجاهدة منهم لأنفسهم، فأهل الجهد لا يقدرون على صفاء الأمور، وإنما يقيمونها مع كدورة النفس، وضيقها، ونفسها، وعسرتها، وترددها، ونكدها، فلا يبلغون حقائق الأمور على الصفاء.
وإنما يبلغ حقائق الأمور الصافية: السابقون الذين عتقوا من رق النفوس، فهم أحرار كرماء، وأولئك عبيدٌ أتقياء، كما قال عيسى بن مريم عليه السلام: يا بني إسرائيل! فلا عبيد أتقياء، ولا أحرار كرماء.
فالمقتصد على سبيل العدل، وهو في جهد عظيم متعلق بعرا الطاعات، متحصن بالهرب من الأمور والاعتزال مخافة السقوط، فباطن القرآن أن يحاجهم حتى يقيم عليهم الحجة حتى لا يطمعوا في منازل السابقين الصديقين، فأولئك صادقون، وهؤلاء سابقون وصديقون؛ لأن القرآن نزل بأمر ونهي.
فالسابق يأتمر بالأمر عبودةً لله، ورقاً للرب، وينتهي عن النهي إعظاماً لجلال الله، وخشوعاً لعظمة الله، وخضوعاً لتدبير لله، فأعرض عنه؛ لإعراض الله.
والقرآن نزل بوعده ووعيده، فالوعد في داره، والوعيد في سجنه،

الصفحة 468