كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 6)

السابقين، أعينهم إلى الله شاخصة، ولتدبيره مراقبة، ولأحكامه منقادة مسلمة.
والمقتصد في خلو من جميع ما ذكرنا، يأتمر الأمر على جهد، شاء أو أبى، مخافة فوت الثواب، ويتناهى عن النهي مخافة العقاب، ونفسه شهوانية ثقيلة في الائتمار، بطيئة عن المسارعة في الخيرات، غير متحملة أثقال الأمر، جموحة في نهي الله، فهي ملجمة بالوعيد، فلولا أن صاحبها يمسكها بعنانها على الدوام على ذلك، لركضت به في ميدان الخاسرين، وإذا مر بذكر الجنان، حن إلى نعيمها، وإلى ما أعد فيها للعمال.
فمن ذلك الحنين يخف لأعمال البر، وإذا مر بذكر الوعيد، ذبل وتحير، وانقبض عن الأمور مخافة الهلكة فيها، فهو معتزل وحداني، وإذا مر بذكر القرون، فإنما سمع أخبار قوم قد مضوا، لا يحتظي منها شيئاً، وإذا مر بذكر أخبار الملكوت، علم من ذلك مقدار أهل التوحيد؛ لأنه لم ينكشف له الغطاء، فذاك لا يجاوز سمعه.
وأما اللطائف والوداد: فهو لغيره، فكيف يلتذ بلطف غيره؛ لأن الجهد قد أوحشه، والتعب والنصب قد أوقذه، ونفسه قد خنقته بسوء أخلاقه، وضيق صدره، فمن أين له شرف اللطائف، وأنى له الوداد، وهو لم ينل الحبل فيتعلق به، إنما نال الخشية، فيتعلق بها؛ ليصدق من نفسه قوله بفعله.

الصفحة 470