كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 6)

عيونهم عن تدبير الله وتقديره وسياقته إليهم، {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً}، فوضع الله الدنيا مع زينتها وبهجتها، وخلقنا فيها، فحرم وأحل، وأمر ونهى، وافترض وأسقط، فمن انتهى عن المحرمات، وأدى الفرائض، وتناول من الدنيا، فعبده بتناولها، لأنه أخذها على الحاجة، ومن السبيل الذي أطلق له، فقد خرج من الذم، وبرئ من الدنيا.
وإن تناول شهوة ونهمة، في غفلة عن الله، فقد أخذته الدنيا المذمومة، ولا يصل إلى هذه المرتبة التي تبرأ من عارها وذمها ووبالها إلا من وصل إلى الله قلباً، فعظمته على قلبه، وخشيته في صدره، فذكره دائمٌ على قلبه، لا يتناول من الدنيا شيئاً إلا تعبداً؛ لأنه إنما أباح له ذلك؛ لتربية جسده؛ ليقوي جسده على عبودته وخدمته، فهو زاهدٌ في كل شيء يتناول من الدنيا، زاهد في عمره؛ لأنه مشتاق إلى ربه، والمشتاق لا يريد الحياة، والمتناول من الدنيا على العبودة لا يأخذها إلا من أجله، وأينما يأخذها، فإنما يقبلها عن الله، فهو يأخذها منه شاكراً، ويأخذها من أجله عبداً، فإن أعطاه

الصفحة 507