كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 6)

منها شيئاً عفواً، تناوله منه، ومن أجله، وإن أعطاه بسعيه وكده، فهو يدور في سبيل السعي والكد ووجوه المطالب، وهو في ذلك يراقب الله تعالى ماذا يخرج له من هذا السعي من فضله، فيقبله منه، فهذا قد برئ من الدنيا.
وأما ما سوى هذه الطبقة، فقد جرحتهم الدنيا، فتلك دنيا مذمومة، وإنما وقع الذم عليها من أجل فعل العباد، وأما الذي يأخذ هولاً، فليست هذه دنيا مذمومة، وإنما هو رزق ومعاش وتزود، يأخذ العبد من مولاه ليقوم بخدمته؛ لأنه تعالى خلقه للخدمة، وجعل هذه الأشياء كلها له سخرة، فهو يأخذ من السخرة للخدمة، والآخر يأخذ من هذه السخرة؛ لقضاء الشهوة والنهمة؛ ليفرح بها أيام الحياة، ليلهيه ذلك الفرح عن الله، ويورثه الغفلة حتى يهتاج منه الكبر، وينظر إلى نفسه وهيئته، وما أعطي من الدنيا على الاستدراج، فيعجب به، فبذلك العجب يفاخر الناس، وبذلك الكبر يسفه على الخلق؛ حتى يصير طالباً للعز والعلو والشرف على الخلق، فيحقر من دونه، ويناطح أشكاله حسداً وبغياً، فبالبغي والحسد تصير عبودته للهوى، فهو عبد بطنه، عبد فرجه، عبد هواه، قد دخل في لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((لعن عبد الدينار، وعبد الدرهم)).

الصفحة 508