كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 6)

عن أبيه، قال: كان عمرو بن العاص ينظر إلى مكة وهو بمكة، فيقول: لعنك الله، لا أعني ما حرم الله منك، ذهب الناس بخير الدنيا والآخرة، واغتررنا بك.
فإنما وقعت اللعنة منه على تلك الأشياء التي غرته منها، وهو: هواه وشهوته ونهمته؛ لأنهم كانوا يفاخرون الناس برحم الله وكعبته، فإنما وقع اللعن منه على فخره وهواه وما غره منها، لا على الكعبة والحرم، فكذلك إنما وقع اللعن على ما غرك من الدنيا، لا على نعيمها ولذتها، فإن النعيم واللذة قد تناولها الرسل والأنبياء والصديقون، فردهم تناولهم إلى الله ذكراً وشكراً، ثم أووا منه إلى المأوى، وهو: حفظ الحدود، والقيام بحقوق الله وفرائضه.
فذلك الذي استثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((الدنيا ملعونةٌ، ملعونٌ ما فيها، إلا ذكر الله، وما أوى إليه، وهو العالم والمتعلم)).
وقال الله في تنزيله: {وغرتكم الحياة الدنيا}، فنسب فعل الغرور إلى الحياة؛ لأن الهوى والشهوات إنما عملت في هذا القالب المتجبر بهذه الحياة التي ركبت في الجسد، والله أعلم.

الصفحة 510