كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 6)

ورمى به في واد قفر، ألا ترى إلى قوله تعالى: {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً} {إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات}.
فانظر أي وعيد هذا؟! فإنما هاج من رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الحب حتى حرصه على دخولهم في الإسلام، وقبولهم ما جاء به، فأجابوه إلى الدخول في الإسلام، على شريطة أن لا يركعوا في صلاتهم، وأن يتركهم حتى يتمتعوا باللات سنةً.
فكان رسول الله يكاد يحترق من حريق الحب لله، فيحرص على دخولهم في الإسلام، وأن يوافقهم في أشياء مما يجوز على التداري منه لهم، فلما جاؤوا بهذه الكلمة، وهم ثقيف أهل الطائف، وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الكلمة وجداً شديداً، فاشتعل ناراً، ودعا بوضوء كالمبرد؛ حتى قال عمر: أحرقتم رسول الله، أحرق الله أكبادهم.
وإنما احترق رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أنهم طمعوا فيه أن يجيبهم إلى ذلك؛ لما رأوا من رفقه، وعطفه، ولينه، وبشاشته وسروره بمجيئهم، بعد أن كان قد حاصرهم شهراً، فهال رسول الله صلى الله عليه وسلم طمعهم فيه، وخاف أن يكون قد أفرط في تعظيم مجيئهم، وسروره بهم، فدعا بماءٍ، وتوضأ، وقال عمر: أحرقتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلاً}،

الصفحة 62