كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 6)

جميعاً للعبودة لله، بما يأمر وينهى، وصار تعلقها جميعاً به في العبودة، وهو قوله تعالى: {فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها}.
فلم يصر العبد مستمسكاً بالعروة، إلا بعد تعلقه بقلبه ونفسه بالله، فهذه عقدة القلب، وطمأنينة النفس وسكونها، ثم من بعد ذلك تمضي النفس في شهواتها حلاً، وحرماً عليه، وفتنة، وهي مع ذلك بالله مطمئنة أنه معبودها، إلا أنها تخف وتطيش لأهبوب رياحها التي فيها من الشهوة على إضمارها أنها تقضي شهوتها، وتعود إلى مكانها ثانية.
وأما القلب فهو منكر لذلك، معتقد عقيدته، مستمسك بعروته، مقهور في سلطان النفس، حتى إذا أقبل الله على عبده بالرحمة، وأعطاه سلطان التوبة، فبتلك القوة يعرض عن النفس، ويرمي بتلك الشهوة في وجه النفس، ويقصد إلى الله نازعاً، وتخمد نار الشهوة في النفس؛ لما نال العبد من قدر التوبة والنور؛ لأن ذلك النور جاء من الرحمة، فإذا ورد على القلب، خمدت نار الشهوة، فخرج القلب من أسر النفس وقهرها، وصارت النفس مقهورة مزجورة، فالعروة الوثقى هي ذلك النور الذي ألزم الله قلب العبد، فاستمسك القلب به تقوى، ووجد قائمة وقراراً تلك عروة: {لا انفصام لها}؛ أي: لا انفصال لها، ولا انقطاع عن الله، فقد اتصل العبد بربه اتصالاً لا يجد العدو سبيلاً أن يدخل عليه فيما بينه

الصفحة 99