كتاب نيل الأوطار (اسم الجزء: 6)

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَزْلِ
2787 - (عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ: «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَلَمْ يَنْهَنَا» .

2788 - (وَعَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ لِي جَارِيَةً هِيَ خَادِمَتُنَا وَسَانِيَتُنَا فِي النَّخْلِ وَأَنَا أَطُوفُ عَلَيْهَا وَأَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ، فَقَالَ: اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَكُونُ الْقَوْلُ قَبْلَ الشُّرُوعِ، وَيُحْمَلُ مَا عَدَا هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى الْمَجَازِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] أَيْ إذَا أَرَدْتَ الْقِرَاءَةَ.
قَوْلُهُ: (جَنِّبْنَا) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ بِالْإِفْرَادِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ وَلَدٌ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «فَإِنْ قَضَى اللَّهُ بَيْنَهُمَا وَلَدًا» . قَوْلُهُ: (لَنْ يَضُرَّ ذَلِكَ الْوَلَدَ الشَّيْطَانُ) فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ: «لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ» وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ «لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ» وَاللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَحْمَدَ. وَاخْتُلِفَ فِي الضَّرَرِ الْمَنْفِيِّ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الْحَمْلِ عَلَى الْعُمُومِ فِي أَنْوَاعِ الضَّرَرِ عَلَى مَا نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي الْحَمْلِ عَلَى عُمُومِ الْأَحْوَالِ مِنْ صِيغَةِ النَّفْيِ مَعَ التَّأْبِيدِ، وَكَأَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ الِاتِّفَاقِ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ كُلَّ بَنِي آدَمَ يَطْعَنُ الشَّيْطَانُ فِي بَطْنِهِ حِينَ يُولَدُ إلَّا مَنْ اُسْتُثْنِيَ، فَإِنَّ هَذَا الطَّعْنَ نَوْعٌ مِنْ الضَّرَرِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ: الْمَعْنَى لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ بَرَكَةِ التَّسْمِيَةِ، بَلْ يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادِ الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] وَقِيلَ: الْمُرَادُ: لَمْ يَطْعَنْ فِي بَطْنِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِمُنَابَذَتِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَيْسَ تَخْصِيصُهُ بِأَوْلَى مِنْ تَخْصِيصِ هَذَا.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ: لَمْ يَصْرَعْهُ. وَقِيلَ: لَمْ يَضُرَّهُ فِي بَدَنِهِ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَضُرَّهُ فِي دِينِهِ أَيْضًا، وَلَكِنْ يُبْعِدُهُ انْتِفَاءُ الْعِصْمَةِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالْأَنْبِيَاءِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ اخْتِصَاصَ مَنْ خُصَّ بِالْعِصْمَةِ بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ لَا بِطَرِيقِ الْجَوَازِ، فَلَا مَانِعَ أَنْ يُوجَدَ مَنْ لَا يَصْدُرُ مِنْهُ مَعْصِيَةٌ عَمْدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَاجِبًا لَهُ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: مَعْنَى لَمْ يَضُرَّهُ: أَيْ لَمْ يَفْتِنْهُ عَنْ دِينِهِ إلَى الْكُفْرِ " وَلَيْسَ الْمُرَادُ عِصْمَتَهُ مِنْهُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ. وَقِيلَ: لَمْ يَضُرَّهُ بِمُشَارَكَةِ أَبِيهِ فِي جِمَاعِ أُمِّهِ كَمَا جَاءَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ الَّذِي يُجَامِعُ وَلَا يُسَمِّي يَلْتَفُّ الشَّيْطَانُ عَلَى إحْلِيلِهِ فَيُجَامِعُ مَعَهُ.

الصفحة 232