كتاب نيل الأوطار (اسم الجزء: 6)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَفِيهِ مُوسَى بْنُ وَرْدَانَ وَهُوَ ثِقَةٌ وَقَدْ ضُعِّفَ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَزَمَ الطَّحَاوِيُّ بِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا وَعَكْسُهُ ابْنُ حَزْمٍ. وَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي إسْنَادِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ وَفِيهِ مَقَالٌ مَعْرُوفٌ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «نُهِيَ عَنْ عَزْلِ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا» وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ عَنْ أَمَتِهِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ وَابْنِ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَنْ الْعَزْلِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ أَهْرَقْتَهُ عَلَى صَخْرَةٍ لَأَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا وَلَدًا» وَلَهُ شَاهِدَانِ فِي الْكَبِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي الْأَوْسَطِ لَهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ.
قَوْلُهُ: (كُنَّا نَعْزِلُ) الْعَزْلُ: النَّزْعُ بَعْدَ الْإِيلَاجِ لَيَنْزِلَ خَارِجَ الْفَرْجِ. قَوْلُهُ: (وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ) فِيهِ جَوَازُ الِاسْتِدْلَالِ بِالتَّقْرِيرِ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ حَرَامًا لَمْ يُقَرِّرَا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ عَلَى مَا حَكَاهُ فِي الْفَتْحِ إلَى أَنَّ الصَّحَابِيَّ إذَا أَضَافَ الْحُكْمَ إلَى زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، قَالَ: لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ لِتَوَفُّرِ دَوَاعِيهِمْ عَلَى سُؤَالِهِمْ إيَّاهُ عَنْ الْأَحْكَامِ، قَالَ: وَقَدْ وَرَدَتْ عِدَّةُ طُرُقٍ تُصَرِّحُ بِاطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَنْهَنَا» . وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ الْمَذْكُورِ الْإِذْنُ لَهُ بِالْعَزْلِ، فَقَالَ: «اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت» . قَوْلُهُ: (مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا) وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ: " لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا " قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: هَذَا أَقْرَبُ إلَى النَّهْيِ.
وَحَكَى ابْنُ عَوْنٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ لَكَانَ هَذَا زَجْرًا. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: كَأَنَّ هَؤُلَاءِ فَهِمُوا مِنْ لَا، النَّهْيَ عَمَّا سَأَلُوا عَنْهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَعْزِلُوا وَعَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا وَيَكُونُ قَوْلُهُ: " وَعَلَيْكُمْ " إلَى آخِرِهِ تَأْكِيدًا لِلنَّهْيِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْرِيرِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَتْرُكُوا وَهُوَ الَّذِي يُسَاوِي أَنْ لَا تَفْعَلُوا. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَى لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا: أَيْ لَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا فَفِيهِ نَفْيُ الْحَرَجِ عَنْ عَدَمِ الْفِعْلِ، فَأَفْهَمَ ثُبُوتَ الْحَرَجِ فِي فِعْلِ الْعَزْلِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ نَفْيَ الْحَرَجِ عَنْ الْفِعْلِ لَقَالَ: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَفْعَلُوا إلَّا أَنْ يُدَّعَى أَنْ لَا زَائِدَةٌ، فَيُقَالُ: الْأَصْلُ عَدَمُ ذَلِكَ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي حُكْمِ الْعَزْلِ، فَحُكِيَ فِي الْفَتْحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُعْزَلُ عَنْ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ حَقِّهَا وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلَيْسَ الْجِمَاعُ الْمَعْرُوفُ إلَّا مَا لَا يَلْحَقُهُ عَزْلٌ. قَالَ الْحَافِظُ: وَوَافَقَهُ فِي نَقْلِ هَذَا الْإِجْمَاعِ ابْنُ هُبَيْرَةَ. قَالَ: وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَرْأَةِ

الصفحة 234