كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 6)

فقد وقع في غيره، وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه - قال: "كنا نخرج إذا كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن [كل] صغير وكبير، حر أو مملوك: صاعاً من طعام، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب"، وزاد أبو داود: "أو صاعاً من حنطة" [قال]: وليس بمحفوظ عندنا. وهذا مستند الوجوب؛ إذ لو رددنا إلى القياس الذي عقلناه لما أثبتنا على الإنسان صدقة فطر غيره؛ فإن القربات بعيدة من التحمل، وإن نحن قلنا: [إن] الفطرة غير متحملة، بل وجوبها [بسبب الغير بمثابة وجوب زكاة المال بسبب المال] – فهذا بعيد [أيضاً من جهة] أن قريب الإنسان ليس محل ارتفاق كماله، فيبعد إيجاب إخراج الفطرة عنه قياساً على زكوات الأموال.
ولكن أجمع المسلمون على أن الفطرة تجب على الغير بسبب الغير في الجملة؛ لما ذكرناه، لكن هل نقول: الوجوب لاقاه ابتداء أولاً في المنفق عليه، ثم تحمله؟ فيه وجهانا في "المهذب" وغيره، والفوراني وكذا القاضي الحسين روياهما قولين للشافعي، قوال الإمام: إن منهم من خصها بالزوجة الموسرة. وإنهما فيها يستنبطان من معاني كلام الشافعي رحمه الله-[لأنها لو كانت خالية عن الزوج لوجبت عليها]؛ فأمكن أن يقال: يحملها عنها الزوج، أما إذا كانت معسرة أو كان المنفق عليه قريباً أو رفيقاً فلا نقول: [إنه] يجب عليه شيء ثم يتحمل عنه، بل الوجوب يلاقي المنفق ابتداءً؛ لأنه لو فقد المنفق لم يجب عليه فطرة نفسه، فكيف يقال: إن الوجوب يلاقيه؟! وهذه الطريقة هي التي رجحها الإمام واقتضاها كلام الشيخ في أول الباب.

الصفحة 13