كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 6)

[فإن قلت: من قال بأنها تجب] بطلوع الفجر يجوز أن يجعل وجود الشخص في نفسه سبباً ثانياً؛ لأن زكاة المال عن المال، وهي أحد سببيه؛ فكذا هاهنا، [وحينئذ فيكون] التعجيل بتقدم أحد السببين؛ فجاز كما في زكاة المال.
قلت: لو كان هذا المأخذ لجاز إخراجها في جميع السنة كما قاله أبو حنيفة – رحمه الله – وبعض أصحابنا، كما حكاه القاضي الحسين والرافعي في باب تعجيل الصدقة؛ لاعتقادهما أن وجوده في نفسه سبب، والذي جزم به العراقيون والجمهور ممن حكى أن الوجوب متعلق بطلوع الفجر: أنه لا يجوز إخراجها قبل رمضان؛ فانتفى هذا الاحتمال. ولا ينجي من هذا ما قاله القاضي أبو الطيب وغيره في الرد على أبي حنيفة – رحمه الله-: من أن وجوده وإن عد سبباً [في وجوبها] فالصوم والفطر سببان أيضاً، والشيء إذا تعلق بثلاثة أسباب لا يجوز تقديمه على اثنين منها، دليله: كفارة الظهار؛ فإن النكاح سببها، ولا يجوز تقديمها على الظهار والعود؛ فكذا هاهنا. انتهى.
ولأن التفريع على أن إدراك رمضان ليس بسبب، وإنما السبب وجوده في نفسه وطلوع الفجر، وحينئذ فيكون التقديم على رمضان تقديماً على أحد السببين لا غير؛ فانتفى الجواب.
وكل ذلك دليل على ضعف القول بأنها تجب بطلوع الفجر، فافهمه، والله أعلم.
وقد وافق الشيخ – رحمه الله – الجهور في جواز التعجيل في رمضان، إلا المتولي وصاحب "البحر" تبعاً للفوراني في "الإبانة"؛ فإنه قال: جواز التعجيل يختص بطلوع فجر أول يوم من رمضان إلى غروبها من آخر يوم منه. [وإن] قلنا: الوجوب يتعلق بالغروب وإلى طلوع الفجر يوم العيد على القول الآخر، وما قبل طلوع الفجر أول يوم من رمضان إلى غروب الشمس [من] آخر يوم من شعبان – لا يجوز؛

الصفحة 34