كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 6)

بينه وبين مالك – رحمه الله – فسأل أبو يوسف مالكاً عن الصاع، فقال: خمسة أرطال وثلث، فأنكر أبو يوسف ذلك؛ لأن أبا حنيفة يعتقد أنه ثمانية أرطال؛ فاستدعى مالك – رحمه الله – أهل المدينة، وسأل كل واحد منهم أن يحضر صاعه معه، فاجتمعوا ومع كل واحد منهم صاعه يقول: هذا ورثته عن أبي، وحدثني [أبي] أنه ورثه عن جدي، وأنه كان يخرج به زكاة الفطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسل، فوزنه الرشيد فإذا هو خمسة أرطال وثلث؛ فرجع أبو يوسف إلى هذا؛ لظهوره في الصحابة، واشتهاره في المدينة، وتواتر نقل الخلف عن السلف، وليس هذا لأنه عمل بقول أهل المدينة؛ [بل] لأنه خبر منهم، فرجع إليهم فهي كما رجع إليهم في [الأخبار في القبر] والمسجد وسائر ما نقلوه من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما تمسك به أبو حنيفة – رحمه الله – من أنه ثمانية أرطال هو رواية أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم "يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد" والمُدُّ: رطلان، [وهو] ضعيف. ولو صح [هذا] لم يكن فيه حجة؛ لأنه وارد في صاع الماء، وخلافنا في صاع الزكاة، وقد كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم آصعٌ مختلفة، وقال: أصغر الصيعان صاعنا.
وقال القاضي أبو الطيب- رحمه الله -: ولنا طريق آخر في [أن] الواجب ما ذكرناه، وهو أنه أقل ما قيل فيه، وهو مجمع على وجوبه، وما زاد [عليه] مختلف فيه: بعضهم يثبته، وبعضهم ينفيه؛ فتعارض القول فيه فلم يجب، ووجب ما أجمع عليه، [أو نقول]: الأقل ثابت بالإجماع، وما زاد متنازع فيه، والأصل براءة الذمة منه فلا يزاد بغير دليل.
[و] إذا تقرر ذلك فجملة وزنه – كما قال الرافعي -: ستمائة درهم وثلاثة

الصفحة 38