كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 6)

مسألة (¬1): قال: "ولو غصبَهُ دابةُ فضاعت فأدَّى قيمتَهَا".
الفصل
وهذا كما قال: إذا غصب دابة فضاعت أو عبداً فأبق ولا يعرف موضعها يلزم الغاصب قيمتها فإذا دفعها يملكها المالك ولا يملك الغاصب العين المغصوبة، فإذا ظهرت بعد دفع القيمة إلى صاحبها كان صاحبها أحق بها ويلزمه رد قيمتها على الغاصب، وقال أبو حنيفة: إذا غرم الغاصب القيمة زال ملك المالك عن العين وملكها الغاصب وإذا قدر عليها لا يلزمه ردها إلا أن يكون الغاصب دفع قيمتها بقوله مع يمينه وكانت القيمة أكثر مما قال. فللمالك ردها واسترجاع العين والخلاف في فصلين أحدهما: في أن الغاصب هل يملكها بدفع القيمة، والثاني: في أنه إذا قدر عليها هل يلزم الغاصب ردها أم لا؟ والدليل على قولنا إنه غرم ما تعذر عليه رده بخروجه عن يده فلا يملكه به كما لو غرم قيمة العبد المدبر [53/أ] عند إباقه، فإذا تقرر هذا فإنه يجب على الغاصب أجرتها من حين غصب إلى أن أخذ القيمة قولاً واحداً.
وأما الأجرة من حين سلم القيمة إلى أن رد العين المغصوبة هل يلزم أم لا؟ فيه وجهان أحدهما: تلزم الأجرة لأن العين باقية على ملكه والمنفعة له ولزمته قبل دفع القيمة لأنه حال بينه وبين ملكه وهذا المعنى موجود بعد دفع القيمة أيضا وهذا ظاهر المذهب، والثاني: لا تلزم الأجرة لأنه ينتفع بالقيمة التي أقيمت مقام العين فلا تلزم الأجرة لمنافع العين وهذا أقيس، وأما نماؤها لمالكها متميزاً كان أو غير متميز ويلزمه ردها مع النماء، ولو زادت العين بعد دفع القيمة ثم ذهبت الزيادة ضمنها في ظاهر المذهب، وقال بعض أصحابنا بخراسان: فيه وجهان أيضاً كما قلنا أيضاً في الأجرة، وكذلك قالوا في زيادة السوق إذا حصلت في هذه الحالة وبلغت العين بعد ذلك هل يضمنها أم لا؟
وأما القيمة إن كانت قائمةً ردها فإن كانت زادت فإن كانت الزيادة غير متميزة كالسمن وتعليم القرآن ردها بزيادتها، وإن كانت الزيادة متميزةً كالثمار والنتاج فهذه الزيادة للمغصوب منه دون الغاصب وهذا يتصور إذا أخذ في قيمتها عبداً أو جاريةً أو شجرة ونحو ذلك، وإن كانت تالفةً رد بدلها مثلها إن كان لها مثل أو قيمتها إن لم يكن لها مثل، وأعلم أن هذه الجملة ذكرها أصحابنا بخراسان والعراق وذكر صاحب "الحاوي" (¬2) حكم هذه المسألة خلاف هذا فقال: إذا أبق العبد المغصوب فإن قدر على رده بعد زمانٍ يسير لا يجبر على بدل القيمة، وإن كان العبد على مسافةٍ بعيدة يجبر الغاصب على دفع القيمة فإذا دفعها ملكها المالك ملكاً مستقراً وملك الغاصب العبد ملكاً مراعى ليتملَّكه بعد القدرة عليه إن شاء، أو يتوصل به إلى استرداد ما أجبر من دفع القيمة إن شاء لأن الإجبار يمنع من استقرار الملك بالعوض، ثم إذا قدر على العبد فهو
¬__________
(¬1) أنظر الآم (3/ 44)
(¬2) أنظر الحاوي للمارودي (7/ 215).

الصفحة 469