كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 6)

على الصحيح من المذهب لأن العلم بصفات المبيع قد حصل.
ومن أصحابنا من قال: حكم الرؤية قد بطل بتطاول المدة وجواز التغير فيكون كبيع الغائب لخيار الرؤية وفيه قولان، وإن طالت المدة ونسيا أوصافه فقد بطل حكم الرؤية أيضاً وعلى هذا إذا كحل الإنسان فباع أملاكه التي كان قد رآها من قبل هل يجوز على هذا الخلاف؟
واعلم أن الشافعي قال ها هنا: ولو كان هذا بيعاً ما جاز أن تباع دابة غائبة وهو احتجاج منه على أبي حنيفة بدليل لا يسلمه لأن أبا حنيفة يجوّز بيع الغائب فيقال لهم: لو كان هذا بيعاً لزمكم أن تفصلوا في هذه المسألة بين المدبر والعبد القنّ وقد زعمتم أن الغاصب لو غصب مدبراً فأبق من يده يلزمه أن يغرم قيمته لمالكه ولا يجوز بيع المدبر [54/ب] عندكم فعلمنا أنه غرم ما غرم على طريق الحيلولة لا على طريق المبايعة وأخلَّ المزني بالنقل ها هنا ونقل كلام الشافعي على غير وجهه فقال: ما جاز أن تباع دابةً غائبةً كعين جُنيَ عليها فابيضت أو على سن صبي فانقلعت، ولو أراد قل كلام الشافعي من غير خللٍ لكان يقول وردَّ ما قبض من قيمتها لأنه أخذ قيمتها على أنها فائتة فكأن الفوت قد بطل كعين جني عليها فابيضت، أو على سن صبي فانقلعت فأخذ أرشها بعد أن أيس منها ثم ذهب البياض ونبتت السن فلما عادا رجع حقهما وبطل الأرش بذلك فيهما، ولو كان هذا بيعاً ما جاز أن تباع دابةً غائبةً.
فرع آخر
لو أبق العبد المغصوب فاستأجر الغاصب مالكها لطلبها بأجرةِ سمَّاه فيه وجهان أحدهما: يجوز وله الأجرة المسماة لأنه مالك لمنافع نفسه فملك المعاوضة عليها، والثاني: لا تجوز الإجارة ولا أجرة له لأنه لا يصح أن يعمل في ماله بعوض على غيره.
مسألة (¬1): قال: "ولو باعَهُ عبداً وقبضهُ المشتري ثم أقرَّ البائعُ أنه كانَ غصبَهُ منْ رجلٍ".
الفصل
وهذا كما قال: إذا باع رجل من أخر عبداً أو أقبضه إياه ثم أقر البائع أنه كان غصبه من رجل وصدقه ذلك الرجل لا يخلو المشتري من أحد أمرين إما أن يصدق البائع أو يكذبه فإن صدقه فالبيع باطلٌ وسلم العبد إلى المغصوب منه ورجع المشتري على البائع بما دفع إليه من الثمن، وان كذبه المشتري فلا يقبل قول البائع عليه في بطلان حقه من المبيع، وهل يلزم البائع قيمة العبد؟ بيناه فيما مضى فإن رجع العبد إلى البائع بشراء أو هبةٍ أو ميراث أو رد بالعيب لزمه تسليمه إلى المقر له بالغصب لأنه أقر بأنه ملكه لا حق له فيه كما نقول فيمن شهداً بعتق عبدٍ فردت شهادتهما ثم ملكاه عتق عليهما بإقرارهما السابق.
وأما الثمن فإن كان البائع ما قبض الثمن لم يكن له مطالبته به، وإن كان قد قبض لم
¬__________
(¬1) أنظر الآم (3/ 45).

الصفحة 471