كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 6/ 2)
وما تفتح فيها من أبواب الاشتقاق والتصرف في الكلم على وجوه المجاز أو النقل، ثم تهيؤها لقبول الكلمات الأعجمية بعد تهذيب حروفها، وحيث تدعو الحاجة إلى تعريبها.
والكلام في هذه المزايا كثير الشعاب، بعيد مابين الجوانب، وحظ القلم منه في هذا المقال: بحثُ المجاز والنقل، وأراني في موقف الباحث الذي يسوق حديثه إلى أدباء درسوا فن البيان، وكانوا منه على بينه، فلا أطيل في تعريف المجاز وذكر أقسامه، ولا أتعرض للعلاقات التي هي شرط صحته: علاقةً فعلاقة، بل أمرّ على معنى المجاز بكلمة وجيزة، وأتحدث عن العلاقة من الناحية التي يأخذ بها الكلام صحته أو فصاحته العربية، وأتخلص إلى الفرق بين المجاز والنقل، وأريك كيف يكسبان اللغة ثروة، وكيف يقومان بجانب عظيم من حاجات العلوم، وما يتجدد من مرافق الحياة.
* المجاز:
كلمة "المجاز" وزنها مَفْعَل، وهو من جاز المكان؛ أي: سلكه، وسار فيه، ومن ثم قيل للطريق: مجاز؛ لأنه مكان يجوزه الناس عند الانتقال من أحد جانبيه إلى الآخر، ثم استعمل المجاز فيما يشبه الطريق من الأمور التي تتخذ وسيلة إلى بعض الأغراض، فقالوا: "جعل فلان ذلك الأمر مجازاً إلى حاجته؛ أي: اتخذه وسيلة إلى قضائها".
ثم استعملت هذه الكلمة في العلوم لمعان خاصة، وأول من نحا بها هذا النحو - فيما عرفنا - أبو عبيدة مَعْمَر بن المُثنَى المتوفى سنة 209 هـ؛ إذ وجدناه يستعملها قاصداً بها الوجه الذي يخرّج عليه الكلام، وما يحسن أن
الصفحة 5
159