كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 6/ 2)

ويزيدك علماً بقوة هذا المذهب: صنيع علماء اللغة؛ فإنهم يقصدون في كتبهم لبيان المعاني الحقيقية، ولو كان استعمال الألفاظ على سبيل المجاز موقوفاً على النقل، لدعاهم الاحتفاظ بهذا الفن من البيان: أن يلتزموا بعد بيان المعاني الحقيقية: ذكر المعاني التي استعمل العرب فيها اللفظ على وجه من المجاز، وما رأيناهم يفعلون.
ولا يقصد الزمخشري بتعرضه في كتاب "أساس البلاغة" للمعاني المجازية بعد الحقيقية أن يقصر المجاز على تلك الألفاظ، ولا أن يحجر على الناس التصرف في تلك الألفاظ بنقلها إلى معان لم ينقلها إليها العرب، وإنما قصده التنبيه على جانب عظيم من أساليب البلغاء، وتصرفاتهم في المعاني؛ ليقتدي بها الناشئون، ويتخذوها سُلَّمًا يرتقون به إلى المرتبة العليا من مراتب البلاغة.
وقد يبدو لك أن الاكتفاء بنوع العلاقة ينحط بالكلام - في كثير من الأحيان- إلى ما لا ترتاح له النفوس، ولا يليق بحسن بيان اللغة العربية، ومئال هذا: أنهم يعدون في العلاقات: "التضاد"، ومقتضى الاكتفاء بنوع العلاقة: أن نستعمل لفظ النور في الظلام، ولفظ الظلام في النور، ونطلق البياض على السواد، والسواد على البياض، ويعدون في العلاقات: "علاقة اعتبار ما كان دا، ومقتضى الاكتفاء بنوع العلاقة: أن ننقل لفظ الطفل إلى الشيخ، ونطلق على من آمن بعد شرك لفظ: مشرك، ومثل هذا الصنيع لا تسلم معه اللغة من غمز. فمن أين لنا أن نعده في فنون فصاحتها ... ؟
وتحقيق البحث: أننا نكتفي في صحة المجاز بمراعاة نوع العلاقة. وللبيانيين في كل علاقة نظر خاص؛ من حيث الاكتفاء بمجرد وجودها، أو

الصفحة 9