كتاب القناعة والتعفف لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

62 - قال أبو علي: أنشدني إبراهيم بن داود لنفسه:
لا تضرعن لمخلوق على طمع .......... فإن ذاك مضر منك بالدين
واسترزق الله مما في خزائنه ........... فإنما هي بين الكاف والنون
63 - وأنشدني محمود بن الحسن الوراق قوله:
شاد الملوك قصورهم فتحصنوا ....... من كل طالب حاجة أو راغب
غالوا بأبواب الحديد لعزها ......... وتنوقوا في قبح وجه الحاجب
فإذا تلطف في الدخول عليهم ......... عاف تلقوه بوعد كاذب
فاطلب إلى ملك الملوك ولا تكن ......... يا ذا الضراعة طالبا من طالب
64 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم العبدي ومحمد بن عباد العكلي قالا: حدثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية قال: حدثنا زمعة قال: كتب بعض بني أمية إلى أبي حازم يعزم عليه أن يرفع إليه حوائجه، فكتب إليه: أما بعد فقد جاءني كتابك تعزم علي إلا رفعت فيه إليك حوائجي، وهيهات، رفعت حوائجي إلى من لا تقتصر الحوائج دونه، فما أعطاني منها قبلت، وما أمسك عني منها رضيت.
65 - حدثني محمد بن عباد بن موسى العكلي قال: حدثنا الحسن بن علي بن زبان البصري مولى بني هاشم قال: حدثني سفيان بن عبدة الحميري وعبيد بن يحيى الهجري قالا: خرج إلى عبد الله بن عامر بن كريز وهو عامل العراق لعثمان بن عفان رحمه الله رجلان من أهل المدينة أحدهما ابن جابر بن عبد الله الأنصاري والآخر من ثقيف، فكتب به إلى عبد الله بن عامر فيما يكتب به من الأخبار، فأقبلا يسيران حتى إذا كانا بناحية البصرة قال الأنصاري للثقفي: هل لك في رأي رأيته؟ قال: اعرضه. قال: رأيت أن أنخ رواحلنا ونتناول مطاهرنا فنمس ماء ثم نصلي ركعتين ونحمد الله عز وجل على ما قضى من سفرنا.
قال: هذا الذي لا يرد، فتوضيا ثم صليا ركعتين ركعتين، فالتفت الأنصاري إلى الثقفي فقال: يا أخا ثقيف ما رأيك؟ قال: وأي موضع رأي هذا، قضيت سفري وأنضيت بدني وأنضيت راحلتي ولا مؤمل دون ابن عامر، فهل لك رأي غير هذا؟ قال: نعم إني لما صليت هاتين الركعتين فكرت فاستحييت من ربي تبارك وتعالى أن يراني طالبا رزقا من غيره، اللهم رازق ابن عامر ارزقني من فضلك، ثم ولى راجعا إلى المدينة، ودخل الثقفي البصرة فمكث أياما، وأذن له ابن عامر فلما رآه رحب به ثم قال: ألم أخبر أن ابن جابر خرج معك؟ فخبره خبره، فبكى ابن عامر ثم قال: أما والله ما قال أشرا ولا بطرا، ولكن رأى مجرى الرزق ومخرج النعمة فعلم أن الله تبارك وتعالى الذي فعل ذلك فسأله من فضله، فأمر للثقفي بأربعة آلاف درهم وكسوة ومطرف، وأضعف ذلك كله الأنصاري، فخرج الثقفي وهو يقول:
أمامة ما حرص الحريص بزائد ........ فتيلا ولا زهد الضعيف بضائر
خرجنا جميعا من مساقط رأسنا .......... على ثقة منا بخير ابن عامر
فلما أنخنا الناعجات ببابه ........... تأخر عني اليثربي ابن جابر
وقال ستكفيني عطية قادر ............. على ما يشاء اليوم بالخلق قاهر
وإن الذي أعطى العراق ابن عامر ...... لربي الذي أرجو لسد مفاقري
فلما رآني سأل عنه صبابة ......... إليه كما حنت ضراب الأباعر
فأضعف عبد الله إذ غاب حظه .......... على حظ لهفان من الحرص فاغر
أتيت وقد أيقنت أن ليس نافعي .......... ولا ضائري شيئ خلاف المقادر

الصفحة 134