كتاب القناعة والتعفف لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

189 - وأنشدني علي بن الحسن قال: أنشدنا زكريا بن أبي خالد:
ما تواخى قوم على غير ذات الله إلا تفرقوا عن تعالي
لم يصن حر وجهه سائل الناس ولم يحمه من الإذلال
صان وجهي عن السؤال بحمد الله أني أرى القناعة مالي
فإذا شئت أن تعرض للذل فرم ما حوته أيدي الرجال
190 - حدثني يعقوب بن إسماعيل المروزي، حدثنا حبان بن موسى، أخبرنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا عبد الله بن بجير، حدثني أبو العلاء بن الشخير حدثنا حديثا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أراد الله بعبد خيرا أرضاه بما قسم له وبارك له فيه، وإذا لم يرد به خيرا لم يرضه بما قسم له ولم يبارك له فيه.
191 - حدثنا هارورن بن سفيان، حدثني عبد الله بن صالح، أخبرني بعض أهل البصرة قال: لما استقضى سوار بن عبد الله بالبصرة كتب إلى أخ له كان يطلب العلم معه وكان ببعض الثغور: أما بعد فإني لم أدخل في القضاء حين دخلت فيه إلا مخافة أن يحملني الفقر على ما هو أعظم من القضاء، وذكر كثر العيال وقلة الشيء، وقلة مواساة الإخوان، ووسوسة الشيطان وضعف الإنسان، وأشياء رقق بها.
فكتب إليه: أما بعد أوصيك بتقوى الله يا رسوار الذي جعل التقوى عوضا عن كل فائت من الدنيا، ولم يجعل شيئا من الدنيا يكون عوضا عن التقوى، فإن التقوى عقدة كل عاقل مبصر، إليها يستروح وبها يبصر، ولم يظفر أحد في عاجل هذه الدنيا وآجل الآخرة بما ظفر به أولياء الله الذين شربوا بكأس حبه فكانت قرة أعينهم فيه، وذلك أنهم أعملوا أنفسهم في جسيم الأدب، وراضوها رياضة الأصحاء الصادقين، فطلقوها عن الشهوات، وألزموها القوت المعلق، وجعلوا الجوع والعطش شعارا لها برهة من الزمن حتى انقادت وأذعنت، وعزفت لهم عن فضول الخطام، فلما ظعن حب فضول الدنيا عن قلوبهم وزايلته أهواؤهم وانقطعت أمانيهم، وصارت الآخرة نصب أعينهم ومنتهى أملهم، ورث الله تعالى قلوبهم نور الحكمة، وقلدهم قلائد العصمة، وجعلهم دعاة لمعالم الدين يلمون منه الشعث ويشجبون الصدع، لم يلبثوا إلا يسيرا حتى جاءهم من الله موعود صادق اختص العالمين به والعاملين به دون سواهم، فإذا سرك أن تسمع صفة الأبرار الأتقياء فصفة هؤلاء فاستمع، وإياك يا سوار وبنيات الطريق. والسلام.

الصفحة 170