كتاب المحتضرين لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

82 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدِّرَامِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ يَأْخُذُ الْمِرْآةَ، فَيَنْظُرُ فِيهَا، فَيُبْصِرُ مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ وَيَقُولُ: أَنَّ الْمَلِكُ الشَّابُّ, فَلَمَّا نَزَلَ مَرْجَ دَابِقٍ وَفَشَتِ الْحُمَّى فِي عَسْكَرِهِ، فَنَادَى بَعْضَ خَدَمِهِ، فَجَاءَتْ بِطِشْتٍ، فَسَقَطَتْ, فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: مَحْمُومَةٌ, قَالَ: فَأَيْنَ فُلاَنَةٌ؟ قَالَتْ: مَحْمُومَةٌ, فَلَمْ يَعُدَّ أَحَدًا إِلاَّ قَالَتْ: مَحْمُومٌ فَقَالَ سُلَيْمَانُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ خَلِيفَتَهُ فِي الأَرْضِ لَيْسَ لَهُ مَنْ يُوَضِّئُهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى خَالِهِ الْوَلِيدِ بْنِ الْقَعْقَاعِ الْعَبْسِيِّ فَقَالَ:
قَرِّبْ وَضُوءَكَ يَا وَلِيدُ فَإِنَّمَا ... هَذِي الْحَيَاةُ تَعِلَّةٌ وَمَتَاعُ
فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ فِي حَيَاتِكَ صَالِحًا ... فَالدَّهْرُ فِيهِ فُرْقَةٌ وَجِمَاعُ
وَمَاتَ فِي مَرَضِهِ.
83 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: لَمَّا احْتُضِرَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ جَعَلَ يَقُولُ:
إِنَّ بَنِيَّ صِبْيَةٌ صِغَارُ ... أَفْلَحَ مَنْ كَانَ لَهُ كِبَارُ
قَالَ: فَيَقُولُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ, وَيَقُولُ سُلَيْمَانُ:
إِنَّ بَنِيَّ صِبْيَةٌ صَيْفِيُّونْ ... أَفْلَحَ مَنْ كَانَ لَهُ شِتْوِيُّونَ
قَالَ: فَيَقُولُ عُمَرُ: أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ سُلَيْمَانُ أَنْ قَالَ: أَسْأَلُكَ مُنْقَلَبًا كَرِيمًا, ثُمَّ قَضَى.
84 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ حَكِيمٍ قَالَ: قَالَتْ لِي فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمَلِكِ امْرَأَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: كُنْتُ أَسْمَعُ عُمَرَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَخْفِ عَلَيْهِمْ مَوْتِي وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ, فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ، فَجَلَسْتُ فِي بَيْتٍ آخَرَ، بَيْنِي وَبَيْنَهُ بَابٌ، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} ثُمَّ هَدَأَ, فَجَعَلْتُ لاَ أَسْمَعُ لَهُ حَرَكَةً وَلاَ كَلاَمًا, فَقُلْتُ لِوَصِيفٍ كَانَ يَخْدُمُهُ: وَيْلَكَ انْظُرْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَائِمٌ هُوَ؟ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ صَاحَ فَوَثَبْتُ، فَدَخَلْتُ، فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ، قَدِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَأَغْمَضَ نَفْسَهَ، وَوَضَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى فِيهِ، وَالأُخْرَى عَلَى عَيْنَيْهِ.

الصفحة 347