كتاب المحتضرين لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

90 - حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي مُعَاذٍ النُّمَيْرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ سَالِمٍ كَاتَبِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا هِشَامٌ يَوْمًا، فَأَدْنَى عُنُقَهُ، مُرْخِيًا عَنَانَ دَابَّتِهِ، مُسْتَرْخِيَةٌ ثِيَابُهُ عَلَيْهِ, فَسَارَ قَلِيلاً، ثُمَّ كأنه انْتَبَهَ، فَجَذَبَ عَنَانَ بَرْذُونِهِ، وَسَوَّى عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلرَّبِيعِ وَكَانَ عَلَى حَرَسِهِ: ادْعُ الأَبْرَشَ بْنَ الْوَلِيدِ الْكَلْبِيَّ، قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ, مَوْلَى هِشَامٍ: فَاكْتَنَفَاهُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ الأَبْرَشُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ مِنْكَ شَيْئًا قَالَ: وَمَا هُوَ؟ فَأَخْبَرَهُ بِحَالِهِ الَّتِي خَرَجَ عَلَيْهِمْ فِيهَا قَالَ: وَيْحَكَ يَا أَبْرَشُ كَأَنْ لاَ يَكُونُ ذَاكَ؟ وَزَعَمَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالنُّجُومِ أَنِّي أَمُوتُ إِلَى ثَلاَثٍ وَثَلاَثِينَ يَوْمًا، فَلَمَّا سَمِعْتُ ذَاكَ جَذَبْتُ عَنَانَ بَغْلَتِي، وَدَعَوْتُ بَعْضَ كُتَّابِي، فَأَتَانِي بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاسٍ، فَكَتَبْتُ: ذَكَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ يُسَافِرُ إِلَى ثَلاَثَةٍ وَثَلاَثِينَ يَوْمًا مِنْ يَوْمِي هَذَا, وَأَدْرَجَتُ الْكِتَابَ وَخَتَمْتُهُ, فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي صَبِيحَتُهَا ثَلاَثَةٌ وَثَلاَثُونَ، أَتَانِي خَادِمٌ فَقَالَ: أَدْرِكْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَائْتِ بِالدَّوَاءِ مَعَكَ, وَكَانَ دَوَاءُ الذُّبْحَةِ يَكُونُ مَعَهُ, فَذَهَبْتُ بِالدَّوَاءِ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ يَتَغَرْغَرُ بِهِ وَمَا يَسْكُنُ عَنْهُ مَا يَجِدُ، حَتَّى مَضَى مِنَ اللَّيْلِ شَيْءٌ، ثُمَّ قَالَ: يَا سَالِمُ، انْصَرِفْ وَدَعِ الدَّوَاءَ عِنْدِي، فَكَأَنِّي وَجَدْتُ بَعْضَ الرَّاحَةِ, فَانْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي، فَلَمْ أَنَمْ حَتَّى سَمِعْتُ الصُّرَاخَ عَلَيْهِ.
91 - حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ أَبِي يَحْيَى السُّلَمِيُّ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: حَبَسَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عِيَاضَ بْنَ مُسْلِمٍ, وَكَانَ كَاتِبًا لِلْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ وَضَرَبَهُ وَأَلْبَسَهُ الْمُسُوحَ, فَلَمْ يَزَلْ مَحْبُوسًا حَتَّى مَاتَ هِشَامٌ, فَلَمَّا ثَقُلَ هِشَامٌ وَصَارَ فِي حَدٍّ لاَ يُرْجَى لِمَنْ كَانَ فِي مِثْلِهِ الْحَيَاةُ، فَرَهَقَتْهُ غَشْيَةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَأَرْسَلَ عِيَاضُ بْنُ مُسْلِمٍ إِلَى الْخُزَّانِ: احْتَفِظُوا بِمَا فِي أَيْدِيكُمْ، فَلاَ يَصِلَنَّ أَحَدٌ إِلَى شَيْءٍ, وَأَفَاقَ هِشَامٌ مِنْ غَشْيَتِهِ، فَطَلَبُوا مِنَ الْخُزَّانِ شَيْئًا، فَمَنَعُوهُمْ، فَقَالَ هِشَامٌ: أَرَانَا كُنَّا خُزَّانًا لِلْوَلِيدِ وَمَاتَ هِشَامٌ مِنْ سَاعَتِهِ, فَخَرَجَ عِيَاضٌ مِنَ الْحَبْسِ، فَخَتَمَ الأَبْوَابَ وَالْخَزَائِنَ, وَأَمَرَ بِهِشَامٍ فَأُنْزِلَ عَنْ فِرَاشِهِ، وَمَنَعَهُمْ أَنْ يُكَفِّنُوهُ مِنَ الْخَزَائِنِ, فَكَفَّنَهُ غَالِبٌ مَوْلَى هِشَامٍ, وَلَمْ يَجِدُوا قُمْقُمًا يُسَخَّنُ فِيهِ الْمَاءُ، حَتَّى اسْتَعَارُوهُ فَقَالَ النَّاسُ: إِنَّ فِي هَذَا لَعِبْرَةً لِمَنِ اعْتَبَرَ.

الصفحة 350