كتاب المحتضرين لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل
189 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي الصَّلْتُ بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا دُرُسْتُ الْقَزَّازُ قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ رَحِمَكَ اللَّهُ؟ قَالَ: أَبْكِي وَاللَّهِ عَلَى مَا يَفُوتَنِي مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَصِيَامِ النَّهَارِ, ثُمَّ بَكَى وَقَالَ: مَنْ يُصَلِّي لَكَ يَا يَزِيدُ؟ وَمَنْ يَصُومُ؟ وَمَنْ يَتَقَرَّبُ لَكَ إِلَى اللهِ بِالأَعْمَالِ بَعْدَكَ؟ وَمَنْ يَتُوبُ لَكَ إِلَيْهِ مِنَ الذُّنُوبِ السَّالِفَةِ؟ وَيْحَكُمْ يَا إِخْوَتَاهْ، لاَ تَغْتَرَنَّ بِشَبَابِكُمْ، فَكَأَنْ قَدْ حَلَّ بِكُمْ مَا حَلَّ بِي مِنْ عَظِيمِ الأَمْرِ وَشِدَّةِ كَرْبِ الْمَوْتِ, النَّجَاءَ النَّجَاءَ، الْحَذَرَ الْحَذَرَ يَا إِخْوَتَاهْ، الْمُبَادَرَةَ رَحِمَكُمُ اللَّهُ.
190 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا: أَنَّ رَجُلاً مِنْ عِلْيَةِ هَذِهِ الأُمَّةِ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَجَزِعَ جَزَعًا شَدِيدًا، وَبَكَى بُكَاءً كَثِيرًا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: مَا أَبْكِي إِلاَّ عَلَى أَنْ يَصُومَ الصَّائِمُونَ لِلَّهِ وَلَسْتُ فِيهِمْ، وَيُصَلِّيَ لَهُ الْمُصَلُّونَ وَلَسْتُ فِيهِمْ، وَيَذْكُرَ الذَّاكِرُونَ وَلَسْتُ فِيهِمْ، فَذَاكَ الَّذِي أَبْكَانِي.
191 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْرَائِيلَ الْمُلاَئِيُّ، عَنِ الْحَكَمِ قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَسَفًا عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ, قَالَ: وَلَمْ يَزَلْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ حَتَّى مَاتَ, قَالَ: فَرُئِيَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ, قَالَ: وَكَانَ الْحَكَمُ يَقُولُ: وَلاَ يَبْعُدُ مِنْ ذَاكَ، لَقَدْ كَانَ يُعْمِلُ نَفْسَهُ مُجْتَهِدًا لِهَذَا، حَذِرًا مِنْ مَصْرَعِهِ الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ.
الصفحة 372