كتاب قصر الأمل لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

66 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ شُمَيْطٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: أَيُّهَا الْمُغْتَرُّ بِطُولِ صِحَّتِهِ، أَمَا رَأَيْتَ مَيِّتًا قَطُّ مِنْ غَيْرِ سَقَمٍ؟، أَيُّهَا الْمُغْتَرُّ بِطُولِ الْمُهْلَةِ، أَمَا رَأَيْتَ مَأْخُوذًا قَطُّ مِنْ غَيْرِ عُدَّةٍ؟، إِنَّكَ لَوْ فَكَّرْتَ فِي طُولِ عُمْرِكَ لَنَسِيتَ مَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ لَذَّاتِكَ. أَبَالصِّحَّةِ تَغْتَرُّونَ؟، أَمْ بِطُولِ الْعَافِيَةِ تَمْرَحُونَ؟، أَمْ لِلْمَوْتِ تَأْمَنُونَ؟، أَمْ عَلَى مَلَكِ الْمَوْتِ تَجْتَرِئُونَ؟، إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ إِذَا جَاءَ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْكَ ثَرْوَةُ مَالِكٍ، وَلاَ كَثْرَةُ احْتِشَادِكَ. أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ سَاعَةَ الْمَوْتِ ذَاتُ كَرْبٍ وَغُصَصٍ وَنَدَامَةٍ عَلَى التَّفْرِيطِ؟ ثُمَّ يَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا عَمِلَ لِسَاعَةِ الْمَوْتِ. رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا عَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ. رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا نَظَرَ لِنَفْسِهِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ.
67 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا التَّيْمِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِذْ أُتِيَ بِحَجَرٍ مَنْقُورٍ، فَطَلَبَ مَنْ يَقْرؤُهُ. فَأُتِيَ بِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، فَقَرَأَهُ، فَإِذَا فِيهِ: ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ قَرِيبَ مَا بَقِيَ مِنْ أَجَلِكَ لَزَهَدْتَ فِي طُولِ أَمَلِكَ، وَلَرَغِبْتَ فِي الزِّيَادَةِ مِنْ عَمَلِكَ، وَلَقَصَّرْتَ مِنْ حِرْصِكَ وَحِيَلِكَ. وَإِنَّمَا يَلْقَاكَ غَدًا نَدَمُكَ، لَوْ قَدْ زَلَّتْ بِكَ قَدَمُكَ، وَأَسْلَمَكَ أَهْلُكَ وَحَشَمُكَ، فَبَانَ مِنْكَ الْوَلَدُ الْقَرِيبُ، وَرَفَضَكَ الْوَالِدُ وَالنَّسِيبُ. فَلاَ أَنْتَ إِلَى دُنْيَاكَ عَائِدٌ، وَلاَ فِي حَسَنَاتِكَ زَائِدٌ. فَاعْمَلْ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ قَبْلَ الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ، أَظُنُّهُ قَالَ: فَبَكَى سُلَيْمَانُ بُكَاءً شَدِيدًا.
68 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ الأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: وَجَدْتُ كِتَابًا عِنْدَ جَدِّي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ: مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ. سَلاَمٌ عَلَيْكَ. فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي مُحَذِّرُكَ مُتَحَوَّلَكَ مِنْ دَارِ مُهْلَتِكَ إِلَى دَارِ إِقَامَتِكَ وَجَزَاءِ أَعْمَالِكَ، فَتَصِيرُ فِي قَرَارِ بَاطِنِ الأَرْضِ بَعْدَ ظَاهِرِهَا، فَيَأْتِيكَ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ، فَيُقْعِدَانِكَ وَيَنْتَهِرَانِكَ، فَإِنْ يَكُنِ اللَّهُ مَعَكَ فَلاَ بَأْسَ وَلاَ وَحْشَةَ وَلاَ فَاقَةَ، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرُ ذَلِكَ فَأَعَاذَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنْ سُوءِ مَصْرَعٍ وَضِيقِ مَضْجَعٍ. ثُمَّ تَتْبَعُكَ صَيْحَةُ الْحَشْرِ، وَنَفْخُ الصُّورِ.
وَبروز الْجَبَّارِ لِفَصْلِ قَضَاءِ الْخَلاَئِقِ، وَخَلاَءِ الأَرْضِ مِنْ أَهْلِهَا، وَالسَّمَاوَاتِ مِنْ سُكَّانِهَا. فَبَاحَتِ الأَسْرَارُ، وَأُسْعِرَتِ النَّارُ، وَوُضِعَتِ الْمَوَازِينُ، وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ، {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فَكَمْ مِنْ مُفْتَضَحٍ وَمَسْتُورٍ. وَكَمْ مِنْ هَالِكٍ وَنَاجٍ. وَكَمْ مِنْ مُعَذَّبٍ وَمَرْحُومٍ. فَيَالَيْتَ شِعْرِي مَا حَالِي وَحَالُكَ يَوْمَئِذٍ؟ فَفِي هَذَا مَا هَدَمَ اللَّذَّاتِ، وَسَلاَ عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَقَصَّرَ الأَمَلَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّائِمُونَ، وَحَذِرَ الْغَافِلُونَ. أَعَانَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ عَلَى هَذَا الْخَطَرِ الْعَظِيمِ، وَأَوْقَعَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ مِنْ قَلْبِي وَقَلْبِكَ مَوْقِعَهُمَا مِنْ قُلُوبِ الْمُتَّقِينَ. فَإِنَّمَا نَحْنُ بِهِ وَلَهُ.

الصفحة 46