كتاب قصر الأمل لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

72 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ خَالِدٍ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِحَسَّانَ بْنِ أَبِي سِنَانٍ: تَرَكْتَ الْمَكَاسِبَ وَالتِّجَارَةَ، وَفَرَّقْتَ مَالَكَ فَقَالَ لَهُ حَسَّانُ: وَأَنْتَ أَيْضًا لَوْ ظَنَنْتَ أَنَّكَ تَمُوتُ غَدًا لَقَصَرْتَ؟، قَالَ: وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ مُلُوكِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ.
73 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: قَالَ أَبِي: خَرَجْنَا حُجَّاجًا، فَوَجَدْنَا أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبْذَةِ قَائِمًا يُصَلِّي، فَانْتَظَرْنَاهُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: هَلُمَّ إِلَى الأَخِ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ، ثُمَّ بَكَى، فَاشْتَدَّ بُكَاؤُهُ، وَقَالَ: قَتَلَنِي حُبُّ يَوْمٍ لاَ أُدْرِكُهُ، قِيلَ: وَمَا يَوْمٌ لاَ تُدْرِكُهُ؟ قَالَ: طُولُ الأَمَلِ.
74 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَّمٍ الْجُمَحِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يَقُولُ فِي كَلاَمِهِ: قَطَعَتْنَا غَفْلَةُ الآمَالِ عَنْ مُبَادَرَةِ الآجَالِ، فَنَحْنُ فِي الدُّنْيَا حَيَارَى، لاَ نَنْتَبِهُ مِنْ رَقْدَةٍ إِلاَّ أَعْقَبَتْنَا فِي أَثَرِهَا غَفْلَةٌ، فَيَا إِخْوَتَاهْ نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ تَعْلَمُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ أَغَرَّ، وَلِنِقَمِهِ أَقَلَّ حَذَرًا، مِنْ قَوْمٍ هَجَمَتْ بِهِمُ الْعِبَرُ عَلَى مَصَارِعِ النَّادِمِينَ، فَطَاشَتْ عُقُولُهُمْ، وَضَلَّتْ حُلُومُهُمْ عِنْدَمَا رَأَوْا مِنَ الْعِبَرِ وَالأَمْثَالِ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِ قَلْعَةٍ وَلاَ نَقْلَةٍ؟ فَبِاللَّهِ يَا إِخْوَاتَاهْ، هَلْ رَأَيْتُمْ عَاقِلاً رَضِيَ مِنْ حَالِهِ لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ هَذِهِ حَالاً؟ وَاللَّهِ عِبَادَ اللهِ لَتَبْلُغُنَّ مِنْ طَاعَةِ اللهِ رِضَاهُ أَوْ لَتُنْكِرُنَّ مَا تَعْرِفُونَ مِنْ حُسْنِ بَلاَئِهِ، وَتَوَاتُرِ نَعْمَائِهِ. إِنْ تُحْسِنْ أَيُّهَا الْمَرْءُ يُحْسَنْ إِلَيْكَ، وَإِنْ تُسِئْ فَعَلَى نَفْسِكَ بِالْعَتْبِ فَارْجِعْ، فَقَدْ بَيَّنَ وَأَعْذَرَ وَأَنْذَرَ، فَمَا لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}.

الصفحة 49